للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلغهم أن هرقل قد نزل مآب (١) من أرض البلقاء في مائة ألف من لخم، وجذام، والقين، وتنوخ، وبلي، فكان قوام (٢) جيش الغساسنة والروم مائتي ألف مقاتل (٣).

ولم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم (٤)، الذي فوجئوا به، فأقاموا في معان ليلتين يُفكرون في أمرهم، وينظرون ويتشاورون، هل يكتبون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبرونه بعدد عدوهم، فإما أن يمدهم بالرجال، أو يأمرهم بأمره فيمضوا إليه، ولم يكن هناك رأي بالانسحاب، فانظروا الشجاعة والجرأة (٥).

فعند ذلك قام عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - وعارض هذا الرأي، وشجع الناس قائلًا: يا قوم! والله إن التي تكرهون للتي خرجتم


(١) مآب: مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء. انظر: معجم البلدان (٧/ ١٨٨).
(٢) قوام: قدر، انظر: لسان العرب (١١/ ٣٥٧).
(٣) انظر: سيرة ابن هشام (٣/ ٣٢٨)، البداية والنهاية (٦/ ٤١٢).
(٤) العرمرم: هو الكثير من كل شيء. انظر: لسان العرب (٩/ ١٧٢).
(٥) قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (٤/ ٧٢): وقد كان للصحابة - - رضي الله عنه -م - في باب الشجاعة والائتمار بأمر الله، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقًا وغربًا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحُبُوش وأصناف السودان والقِبطِ، وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في أقل من ثلاثين سنة، ف- رضي الله عنه -م وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، إنه كريم وهاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>