حين سمع ما دعت إليه الرسل وآمن به وعلم ما رد به قومه عليهم، فقال لهم:{يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} فأمرهم باتباعهم، ونصحهم على ذلك، وشهد لهم بالرسالة.
ثم ذكر تأييدًا لما شهد به ودعا إليه، فقال:{اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} أي: اتبعوا من نصحكم نصحًا يعود إليكم بالخير، وليس يريد منكم أموالكم ولا أجرًا على نصحه لكم وإرشاده؛ فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه، بقي أن يقال: فلعله يدعو ولا يأخذ أجرة ولكنه ليس على الحق، فدفع هذا الاحتراز بقوله:{وَهُمْ مُهْتَدُونَ} لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه.
فكأن قومه لم يقبلوا نصحه، بل عادوا لائمين له على اتباع الرسل وإخلاص الدين لله وحده، فقال:{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: وما المانع لي من عبادة من هو المستحق للعبادة؛ لأنه الذي فطرني وخلقني ورزقني وإليه مآل جميع الخلق فيجازيهم بأعمالهم؛ فالذي بيده الخلق والرزق والحكم بين العباد في الدنيا والآخرة هو الذي يستحق أن يُعبد ويُثنى عليه ويُمجد دون من لا يملك نفعًا ولا ضرًّا ولا عطاءً ولا منعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، ولهذا قال:{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} لأنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه؛ فلا تُغني شفاعتهم عني شيئًا {وَلَا