الإنسان المخاطب، لا لخصوصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - كقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧)} [التين: ٧]، أي: أيها الإنسان؛ وذلك لأن طبيعته البشرية تفر من رؤية الأشياء المهيبة غالبًا، ولهذا قال:{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}، ودل على أن الخبر ليس كالمعاينة، كما جاء في الحديث؛ لأن الخبر قد حصل ولم يحصل الفرار ولا الرعب.
ثم ذكر تعالى أنه بعثهم من رقدتهم بعد نومهم بثلاثمائة سنة وتسع سنين، لما استيقظوا قال بعضهم لبعض:{كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} أي: بدراهمكم هذه، يعني التي معهم إلى المدينة، ويقال: كان اسمها دفسوس {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} أي: أطيب مالًا، {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} أي: بطعام تأكلونه، وهذا من زهدهم وورعهم {وَلْيَتَلَطَّفْ} أي: في دخوله إليها {وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (٢٠)} أي إن عدتم إلى ملتهم بعد إذ أنقذكم الله منها؛ وهذا كله لظنهم أنهم إنما رقدوا يومًا أو بعض يوم أو أكثر من ذلك، ولم يحسبوا أنهم قد رقدوا أزيد من ثلاثمائة سنة، وقد تبدلت الدول أطوارًا عديدة، وتغيرت البلاد ومن عليها، وذهب أولئك القرن الذين كانوا فيهم، وجاء غيرهم وذهبوا، وجاء غيرهم، ولهذا لما خرج أحدهم وهو تيذوسيس - فيما قيل - وجاء إلى المدينة متنكرًا؛ لئلا يعرفه