(وَلِلصُّلْحِيِّ ذَلِكَ) : أَيْ الْإِحْدَاثُ وَالتَّرْمِيمُ فِي أَرْضِهِ مُطْلَقًا شَرَطَ أَوْ لَا (فِي غَيْرِ مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ) كَالْقَاهِرَةِ، فَلَيْسَ لِعَنْوِيٍّ وَلَا صُلْحِيٍّ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ فِيهَا قَطْعًا، وَلَا تَرْمِيمُ مُنْهَدِمٍ فِيمَا أَحْدَثُوهُ بِهَا، بَلْ يَجِبُ هَدْمُهَا (إلَّا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ) مِنْ الْإِحْدَاثِ فَلَا يُمْنَعُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَمُلُوكُ مِصْرَ لِضَعْفِ إيمَانِهِمْ قَدْ مَكَّنُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَالِمٌ عَلَى الْإِنْكَارِ إلَّا بِقَلْبِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ لَا بِيَدِهِ. وَزَادَ أُمَرَاءُ الزَّمَانِ أَنْ أَعَزُّوهُمْ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ رَفَعُوهُمْ، وَيَا لَيْتَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ كَمِعْشَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَرَى الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ: لَيْتَ الْأُمَرَاءَ يَضْرِبُونَ عَلَيْنَا الْجِزْيَةَ كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَيَتْرُكُونَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَرَكُوهُمْ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧] .
(وَمُنِعَ) ذِمِّيٌّ (رُكُوبَ خَيْلٍ وَبِغَالٍ، وَ) رُكُوبَ (سُرُوجٍ) أَيْ عَلَيْهَا (وَبَرَاذِعَ نَفِيسَةٍ) وَلَوْ عَلَى حَمِيرٍ، (وَ) مَشْيٍ فِي (جَادَّةٍ) أَيْ وَسَطِ (طَرِيقٍ) بَلْ يَمْشِي بِجَانِبِهَا (إلَّا لِخُلُوِّهَا) فَيَمْشِي وَسَطَهَا (وَأُلْزِمَ) قَهْرًا عَنْهُ (بِلُبْسٍ يُمَيِّزُهُ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ كَزُنَّارٍ وَطُرْطُورٍ وَبُرْنِيطَةٍ وَعِمَامَةٍ زَرْقَاءَ.
(وَعُزِّرَ لِإِظْهَارِ السُّكْرِ) التَّعْزِيرَ اللَّائِقَ بِهِ، (وَ) عُزِّرَ لِإِظْهَارِ (مُعْتَقَدِهِ) أَيْ الَّذِي كَفَرَ بِهِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، (وَ) عَلَى (بَسْطِ) أَيْ إطْلَاقِ (لِسَانِهِ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
(وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ وَكُسِرَ النَّاقُوسُ) إنْ أَظْهَرَهُمَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ] : أَيْ أَنْشَأَهُ الْمُسْلِمُونَ اسْتِقْلَالًا، فَإِنَّ الْقَاهِرَةَ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الْفَتْحِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، وَمَا قِيلَ فِي الْقَاهِرَةِ يُقَالُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ.
[مَا يَمْنَع مِنْهُ الذِّمِّيّ وَأَحْكَامه]
قَوْلُهُ: [وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ أَوَانِيهَا، وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهَا تُكْسَرُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَوَّاقُ وَالْبَرْزَلِيُّ وَإِنَّمَا أُرِيقَتْ الْخَمْرُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَشْتَهِيهَا، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ لَهُ إرَاقَتُهَا وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْحَاكِمِ، وَمِثْلُ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالنَّاقُوسِ حَمْلُهُمَا مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ، فَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُمَا وَأَتْلَفَهُمَا عَلَيْهِ مُسْلِمٌ ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهَا لِتَعَدِّيهِ وَكَذَا يُكْسَرُ صَلِيبُهُ إنْ أَظْهَرهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute