وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدْلَ الْعَالِمَ لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ لَكِنْ إنْ ظَهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ نُقِضَ. وَأَمَّا الْجَائِرُ وَالْجَاهِلُ فَتُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُمَا وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِصَوَابٍ وَيَمْضِ مَا كَانَ صَوَابًا. وَالصَّوَابُ: مَا وَافَقَ قَوْلًا مَشْهُورًا أَوْ مُرَجَّحًا وَلَوْ كَانَ الْأَرْجَحُ خِلَافَهُ. (وَ) إذَا نُقِضَ (بَيَّنَ) النَّاقِضُ (السَّبَبَ) الَّذِي نَقَضَ الْحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ، لِئَلَّا يُنْسَبَ النَّاقِضُ لِلْجَوْرِ وَالْهَوَى بِنَقْضِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْقُضَاةُ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ: حَكَمْت بَلْ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الْإِلْزَامِ - فَهُوَ حُكْمٌ - بِقَوْلِهِ. (وَ) قَوْلُ الْحَاكِمِ: (نَقَلْت الْمِلْكَ) لِهَذِهِ السِّلْعَةِ لِزَيْدٍ أَوْ مَلَّكْتَهَا لِمُدَّعِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، حُكْمٌ. (وَفَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ) مِنْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَبْطَلْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ (أَوْ قَرَّرْتُهُ) وَنَحْوُهَا وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ بَعْدَ حُصُولِ مَا يَجِبُ فِي شَأْنِ الْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى وَإِقْرَارٍ أَوْ ثُبُوتِ بَيِّنَتِهِ وَإِعْذَارٍ وَتَزْكِيَةٍ - وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَصِحَّتُهَا لِكَوْنِهَا تُقْبَلُ وَتُسْمَعُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا مِنْ إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةِ عُدُولٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ -: (حُكْمٌ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ حَكَمْت
ــ
[حاشية الصاوي]
يَرَاهُ مَذْهَبًا نَقَضَهُ غَيْرُهُ لَا هُوَ.
قَوْلُهُ: [مِمَّا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ وَإِلَخْ.
قَوْلُهُ: [بَيَّنَ النَّاقِضُ السَّبَبَ] أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.
[مَا يُعْتَبَرُ حُكْمًا والفرق بَيْنه وَبَيْن الْفَتْوَى]
قَوْلُهُ: [نَقَلْت الْمِلْكَ] : وَهُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حُكْمُ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى] إلَخْ: فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ دَعْوِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَحْكُمَ عَلَيْهِ وَإِذَا جَاءَ سَمَّى لَهُ الْبَيِّنَةَ وَأَعْذَرَ لَهُ فِيهَا؛ فَإِنْ أَبْدَى مَطْعَنًا نُقِضَ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَلَا. وَأُجِيبَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَاضِرِ وَقَرِيبِ الْغَيْبَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ مَعَ الْأَمْنِ، وَأَمَّا بَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا يَأْتِي كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute