(وَلَا يُعَرَّفُ) شَيْءٌ (تَافِهٌ) وَهُوَ مَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ النَّفْسُ عَادَةً؛ كَدُونَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ وَعَصًا وَسَوْطٍ، وَكَقَلِيلٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَلَهُ أَكْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ رَبَّهُ، وَإِلَّا مُنِعَ وَضَمِنَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا فَوْقَ التَّافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَالٌ قَوِيٌّ؛ كَالدَّلْوِ وَالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ يُعَرَّفُ أَيَّامًا بِمُقْتَضَى النَّظَرِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ.
(وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (حَبْسُهَا) : أَيْ اللُّقَطَةِ عِنْدَهُ (بَعْدَهَا) : أَيْ السَّنَةِ لَعَلَّهُ أَنْ يَظْهَرَ صَاحِبُهَا (أَوْ التَّصَدُّقُ بِهَا) عَنْ رَبِّهَا أَوْ عَنْ نَفْسِهِ (أَوْ التَّمَلُّكُ) لَهَا بِأَنْ يَنْوِيَ تَمَلُّكَهَا،
(وَلَوْ) وَجَدَهَا (بِمَكَّةَ) فَلَهُ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. وَقِيلَ: إنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا أَبَدًا عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا وَلَا التَّصَدُّقُ بِهَا.
(وَضَمِنَ) الْمُلْتَقِطُ (فِيهِمَا) : أَيْ فِي التَّصَدُّقِ بِهَا وَلَوْ عَنْ رَبِّهَا وَفِي نِيَّةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَا يُعَرَّفُ شَيْءٌ تَافِهٌ] : قَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ مَا لَهُ بَالٌ مِمَّا كَانَ فَوْقَ الدِّينَارِ وَنَحْوِهِ يُعَرَّفُ سَنَةً وَنَحْوُ الدَّلْوِ وَالدِّينَارِ يُعَرَّفُ الْأَيَّامَ وَأَفَادَ هُنَا أَنَّ التَّافِهَ لَا يُعَرَّفُ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مُنِعَ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ عُلِمَ رَبُّهُ وَإِنَّمَا مُنِعَ أَكْلُهُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لُقَطَةً، بَلْ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
[حَبْسُ اللُّقَطَةِ]
قَوْلُهُ: [أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ حَبْسُهَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَخْيِيرِ الْمُلْتَقِطِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا حَبْسُهَا أَوْ بَيْعُهَا لِصَاحِبِهَا وَوَضْعُ ثَمَنِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَلَا تَمَلُّكُهَا لِمَشَقَّةِ خَلَاصِ مَا فِي ذِمَّتِهِ. بِخِلَافِ غَيْرِهِ (اهـ عب) .
[لقطة مَكَّة]
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ] إلَخْ: أَيْ كَمَا هُوَ لِلْبَاجِيِّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ: [عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَاجِّ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ لُقَطَتَهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ» ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَاجِيُّ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَلِذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ جُمْلَةِ لَا تَحِلُّ فِيهَا أَبَدًا وَهِيَ: «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» ؛ أَيْ لَا يُقْطَعُ حَشِيشُهَا، وَالْأَصْلُ تَجَانُسُ الْمَعْطُوفَاتِ فِي النَّفْيِ الْأَبَدِيِّ. وَأَجَابَ الْمَشْهُورُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَحِلُّ قَبْلَ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فِي مَكَّةَ مَعَ أَنَّ عَدَمَ حِلِّهَا قَبْلَ السَّنَةِ عَامٌّ فِي مَكَّةَ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ تَعْرِيفِ لَقَطَهَا بِانْصِرَافِ الْحُجَّاجِ فَتَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute