ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى شُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقَالَ: (وَشَرْطُ صِحَّةِ) عَقْدِ (الْعَاقِدِ: تَمْيِيزٌ) : فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَكَذَا بِحَرَامٍ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَلَوْ أَسْقَطَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ: " إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدَّدَ " لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّرَدُّدِ الطَّرِيقَتَانِ: طَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ: عَدَمُ الصِّحَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ: عَدَمُهَا اتِّفَاقًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ. بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَسَكْرَانُ مَعَهُ تَمْيِيزٌ بِعَقْلِهِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ وَالْعُقُودُ، وَهُوَ
ــ
[حاشية الصاوي]
تَنْبِيهٌ: لَا يَضُرُّ فِي الْبَيْعِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ عُرْفًا. وَلِلْبَائِعِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُزَايَدَةِ وَلَوْ طَالَ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِعَدَمِهِ.
[شُرُوط أَرْكَان الْبَيْع وَشُرُوطُ لُزُومِهِ]
قَوْلُهُ: [عَقْدُ الْعَاقِدِ] : إنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ الْمُضَافَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الْعَقْدُ لَا الْعَاقِدُ.
قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي (ر) مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ فَجَعَلَ التَّمْيِيزَ شَرْطًا فِي لُزُومِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ. وَفَسَادُ الْبَيْعِ يَكُونُ لِأُمُورٍ؛ مِنْهَا: مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. وَقَوْلُ ابْنِ بَزِيزَةَ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ بَيْعَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ.
قَوْلُهُ: [فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ] : أَيْ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِحَرَامٍ، وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قَوْلُهُ: [وَسَكْرَانُ مَعَهُ تَمْيِيزٌ بِعَقْلِهِ] : أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ سُكْرِهِ بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ. وَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ.
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ] إلَخْ: هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute