لِأَنَّ الْأَمْرَ عُرْفًا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ بِأَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ - خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ. وَقِيَاسُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّسَوُّقِ الْآتِيَةِ مَطْعُونٌ فِيهِ.
(كَأَنْ تَسَوَّقَ) الْبَائِعُ (بِهَا) : أَيْ بِالسِّلْعَةِ، أَيْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ فِي سُوقِهَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا (فَقَالَ) لَهُ شَخْصٌ: (بِكَمْ) تَبِيعُهَا؟ (فَقَالَ) لَهُ: (بِكَذَا) بِمِائَةٍ مَثَلًا (فَقَالَ: أَخَذْتهَا بِهِ. فَقَالَ) الْبَائِعُ: (لَمْ أُرِدْهُ) أَيْ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أَوْقَفْتهَا فِي سُوقِهَا لِأَمْرٍ مَا، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ الْبَيْعُ. وَهَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ وَإِلَّا لَزِمَ الْبَيْعُ قَطْعًا وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الْبَائِعِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) . وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ لُغَةً. فَالْمَاضِي - لَمَّا كَانَ دَالًّا عَلَى الرِّضَا مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ - انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَلَوْ حَلَفَ. وَالْأَمْرُ إنَّمَا يَدُلُّ لُغَةً عَلَى طَلَبِ الْبَيْعِ لَهُ فَهُوَ يَحْتَمِلُ الرِّضَا بِهِ وَعَدَمَهُ. وَلَكِنَّ الْعُرْفَ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَسْتَوِي مَعَ الْمَاضِي وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَوْ حَلَفَ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ. وَالْمُضَارِعُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعُرْفِ دَالًّا عَلَى الرِّضَا فَقُبِلَ الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْيَمِينِ. وَلِذَلِكَ قَالَ (بْن) : إنَّ الْمَطْلُوبَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَدَلَالَةُ الْأَمْرِ عَلَى الرِّضَا أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ عَلَيْهِ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مُحْتَمَلًا بِخِلَافِ الْمُضَارِعِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: [وَقِيَاسُ ابْنِ الْقَاسِمِ] إلَخْ: وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْلِفُ مَعَ الْمُضَارِعِ فِي مَسْأَلَةِ التَّسَوُّقِ فَأَوْلَى مَعَ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ، دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَوَجْهُ الطَّعْنِ فِي الْقِيَاسِ أَنَّ الْعُرْفَ غَلَبَ فِي الْأَمْرِ وَلَمْ يَغْلِبْ فِي الْمُضَارِعِ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا مَا يُفِيدُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ] إلَخْ: أَيْ كَمَا إذَا حَصَلَ تَمَاكُسٌ وَتَرَدُّدٌ بَيْنَهُمَا؛ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتهَا بِخَمْسِينَ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا. فَقَالَ لَهُ: بِسِتِّينَ. فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا. فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي بِكَمْ تَبِيعُهَا؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ. فَقَالَ: أَخَذْتهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute