لِإِصْلَاحِ حَالِهِ كَمَا يُؤَدَّبُ لِلتَّعْلِيمِ وَكَمَا يُؤَدِّبُ الدَّابَّةَ، لِذَلِكَ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا قَصَدَ التَّخْلِيطَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ عَمْدًا وَلَمْ يَمْتَثِلْ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ لِصَلَاحِ حَالِهِ، فَكَذَا إذَا غَصَبَ.
(كَمُدَّعِيهِ) : أَيْ كَمَا يُؤَدَّبُ مَنْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ السَّرِقَةَ أَوْ نَحْوَهُمَا. (عَلَى صَالِحٍ) مَشْهُورٍ بِذَلِكَ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا، وَفِي النَّوَادِرِ: إنَّمَا يُؤَدَّبُ الْمُدَّعِي عَلَى غَيْرِ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ أَمَّا عَلَى وَجْهِ الظُّلَامَةِ فَلَا. وَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَلَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ لِيَبْرَأَ مِنْ الْغُرْمِ أَوْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ. وَأَمَّا مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ فَلَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ لِيَبْرَأَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ، فَإِنْ اُشْتُهِرَ بِالْعَدَاءِ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُضْرَبُ وَيُسْجَنُ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى جُحُودِهِ تُرِكَ وَإِنْ اعْتَرَفَ بَعْدَ التَّهْدِيدِ، فَهَلْ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ لَا؟ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ عَيَّنَ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى بِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّالِثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ عَيَّنَ الشَّيْءَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ.
(وَضَمِنَ) الْغَاصِبُ الْمُمَيِّزُ (بِالِاسْتِيلَاءِ) عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ:
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَإِنْ اُشْتُهِرَ بِالْعَدَاءِ بَيْنَ النَّاسِ] : قَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ إمَّا صَالِحٌ، أَوْ مَسْتُورُ حَالٍ، أَوْ فَاسِقٌ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ، أَوْ مَشْهُورٌ بِالْغَصْبِ. أَفَادَ الشَّارِحُ أَحْكَامَهَا تَبَعًا لِ (بْن) .
قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُضْرَبُ] إلَخْ: مُحَصَّلُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِ (بْن) أَنَّ التَّحْلِيفَ وَالتَّهْدِيدَ وَالضَّرْبَ وَالسَّجْنَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْأَقْوَالُ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِالْإِقْرَارِ وَعَدَمِهَا قَالَ بْن وَقَوْلُ ابْنِ عَاصِمٍ:
وَإِنْ تَكُنْ دَعْوَى عَلَى مَنْ يُتَّهَمْ ... فَمَالِكٌ بِالسَّجْنِ وَالضَّرْبِ حَكَمْ
لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ الضَّرْبَ وَمَا مَعَهُ فَهُوَ كَلَامٌ مُجْمَلٌ.
[ضَمَانُ الْغَاصِبِ]
قَوْلُهُ: [بِالِاسْتِيلَاءِ] : أَيْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا حَصَلَ مُفَوِّتٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute