لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُنُونٍ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ. وَلَمَّا دَخَلَ فِي الْمَعْذُورِ الْمُكْرَهُ - مَعَ أَنَّهُ إذَا زَالَ عُذْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ - أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ: " بِلَا إكْرَاهٍ " أَيْ مَعْذُورٌ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ.
فَقَوْلُهُ: " بِلَا إكْرَاهٍ " نَعْتُ مَعْذُورٍ. إنْ أَفْطَرَ (بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ) وَقْتُهُ (كَرَمَضَانَ، وَالنَّذْرُ) الْمُعَيَّنُ، وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ (مُطْلَقًا) : أَفْطَرَ عَمْدًا أَمْ لَا. (أَوْ) لَمْ يَتَعَيَّنْ وَقْتُهُ، وَلَكِنْ (وَجَبَ تَتَابُعُهُ) كَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، (وَلَمْ يَتَعَمَّدْ) الْفِطْرَ. فَإِنْ أَفْطَرَ غَلَبَةً أَوْ نَاسِيًا فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْعَمْدِ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ. فَإِنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِفَسَادِ جَمِيعِ صَوْمِهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَلَوْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إمْسَاكِهِ حِينَئِذٍ. وَكَذَا لَوْ أَفْطَرَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إمْسَاكٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ إذْ هُوَ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يُؤَدِّي إفْطَارُهُ لِفَسَادِ شَيْءٍ. نَعَمْ يُنْدَبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: (فِي غَيْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ) إذْ مَعْنَاهُ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ فِي الْمُتَتَابِعِ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ غَلَبَةً فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فِيهِ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ.
(كَتَطَوُّعٍ) : تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ بِلَا تَعَمُّدٍ. فَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ عَلَى التَّحْقِيقِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ. وَفُهِمَ مِنْهُ: أَنَّ الْفَرْضَ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَمْ يَجِبْ تَتَابُعُهُ - كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالنَّذْرِ الْمَضْمُونِ، وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى - لَا يَجِبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْإِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ. وَمَسْأَلَةُ الْإِمْسَاكِ مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَفَّارَةِ وَأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِرَمَضَانَ فَقَالَ:
(وَالْكَفَّارَةُ) وَاجِبَةٌ (بِرَمَضَانَ) أَيْ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ (فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ (إنْ أَفْطَرَ) فِيهِ.
(مُنْتَهِكًا لِحُرْمَتِهِ) أَيْ غَيْرَ مُبَالٍ بِهَا بِأَنْ تَعَمَّدَهَا اخْتِيَارًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ،
ــ
[حاشية الصاوي]
فَعَلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا عَدَمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: [أَفْطَرَ عَمْدًا أَمْ لَا] : صَادِقٌ بِالْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ إكْرَاهًا.
[كَفَّارَة الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَان]
قَوْلُهُ: [بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلٌ أَصْلًا أَوْ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute