مِنْ كَوْنِ النُّفُوسِ تَنْفِرُ مِنْهَا - مَنْفِيَّةٌ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ بِجَوَازِهَا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا الْتَقَوْا تَصَافَحُوا فَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا " وَهَذَا يَرِدُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حُجَّةٌ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ.
(وَ) لَا يُنْدَبُ (تَقْبِيلُ الْيَدِ) بَلْ يُكْرَهُ. وَالْمُرَادُ: يَدُ الْغَيْرِ، وَأَمَّا يَدُ نَفْسِهِ فَلَيْسَ الشَّأْنُ فِعْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ فَيُكْرَهُ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ الْيَدِ إنْ كَانَ الْمُقَبِّلُ مُسْلِمًا فَلَوْ قَبَّلَ يَدَك كَافِرٌ فَلَا كَرَاهَةَ. (إلَّا لِمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ) وَعَلَيْهِ مَحْمَلُ مَا صَحَّ «أَنَّ وَفْدَ عَبْد الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَدَرُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَبَّلَ يَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ وَالِدٍ وَشَيْخٍ وَصَالِحٍ) فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُطْلَبُ وَحُكْمُ غَيْرِ الْيَدِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالرَّأْسِ وَالْكَتِفِ وَالْقَدَمِ كَالْيَدِ نَهْيًا وَطَلَبًا وَقَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى الْجَوَازِ لِمَنْ يُتَوَاضَعُ لَهُ وَيُطْلَبُ إبْرَارُهُ.
(وَالِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ) بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَمَلَ حُجَّةٌ] : قَدْ يُقَالُ إنَّ مَالِكًا رَأَى أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهَا.
قَوْلُهُ: [وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَبَّلَ يَدَهُ] : أَيْ وَرُوِيَ أَيْضًا: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرِنِي آيَةً. فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَقُلْ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُوك فَتَحَرَّكَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَقْبَلَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهَا ارْجِعِي. فَقَالَ لَهَا ارْجِعِي فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ فَقَبَّلَ الْأَعْرَابِيُّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
قَوْلُهُ: [لِمَنْ يَتَوَاضَعُ لَهُ وَيَطْلُبُ إبْرَارَهُ] : أَيْ لِأَنَّ فِي تَرْكِ ذَلِكَ مُقَاطَعَةً وَشَحْنَاءَ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا.
[الِاسْتِئْذَانُ]
قَوْلُهُ: [وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ] : أَيْ عَلَى مُرِيدِ الدُّخُولِ وَوُجُوبُ الْفَرَائِضِ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute