(وَافْتَقَرَ) الْإِحْيَاءُ (إنْ قَرُبَ) لَلْعُمْرَانِ - بِأَنْ كَانَ حَرِيمَ بَلْدَةٍ - قَالَ الْحَطَّابُ: وَالْقَرِيبُ هُوَ حَرِيمُ الْعِمَارَةِ مِمَّا يَلْحَقُونَهُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَحَدُّ الْبَعِيدِ مِنْ الْعُمْرَانِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ مَسْرَحُ الْعُمْرَانِ وَاحْتِطَابُ الْمُحْتَطِبِينَ إذَا رَجَعُوا إلَى الْمَبِيتِ فِي مَوَاضِعِهِمْ، (لِإِذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ. وَلَا يَأْذَنُ إلَّا لِمُسْلِمٍ لَا ذِمِّيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: لَوْ قِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ، ضَعِيفٌ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ تَعَدَّى الْمُسْلِمُ وَأَحْيَا فِيمَا قَرُبَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ) لَهُ فَيَمْلِكُهُ (وَجَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا) فَيَرُدُّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُعْطِيهِ قِيمَةَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ أَوْ حَفْرِهِ مَنْقُوضًا لِتَعَدِّيهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِيمَا أَغَلَّهُ فِيمَا مَضَى، نَظَرًا إلَى أَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي الْجُمْلَةِ.
(بِخِلَافِ الْبَعِيدِ) مِنْ الْعُمْرَانِ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ حَرِيمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فَلَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ، وَمَا أَحْيَاهُ فَهُوَ لَهُ (وَلَوْ ذِمِّيًّا) حَيْثُ كَانَ إحْيَاؤُهُ فِي الْبَعِيدِ (بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) : وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَنُ وَمَا وَالَاهَا
ــ
[حاشية الصاوي]
وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ لَا يَحْصُلُ بِهَا إحْيَاءٌ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهَا كَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْهَيْئَةِ الْمُجْتَمِعَةِ عَنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْحَاشِيَةِ أَنْ يَكُونَ إحْيَاءً.
[إذْنِ الْإِمَامِ فِي الْإِحْيَاءُ]
قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ] إلَخْ: مَآلُ الْقَوْلَيْنِ وَاحِدٌ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: [مَسْرَحُ الْعُمْرَانِ] : أَيْ أَهْلُهُ عَلَى حَدِّ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] .
قَوْلُهُ: [وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ] : مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ خَبَرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا مَقُولُ الْقَوْلِ.
قَوْلُهُ: [إلَى أَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي الْجُمْلَةِ] : أَيْ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ.
قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْجَزِيرَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَزْرِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْجَزَّارُ لِقَطْعِهِ الْحَيَوَانَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَسَطَهَا إلَى أَجْنَابِهَا لِأَنَّ الْبَحْرَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ الْمَغْرِبُ وَالْجَنُوبُ وَالْمَشْرِقُ، فَفِي مَغْرِبِهَا بَحْرُ جُدَّةَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً وَيُسَمَّى بِالْقُلْزُمِ، وَبَحْرِ السُّوَيْسِ، وَفِي جَنُوبِهَا بَحْرُ الْهِنْدِ وَفِي مَشْرِقِهَا خَلِيجُ عُمَانَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَأَمَّا عَمَّانُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَهِيَ قَرْيَةٌ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute