لَكِنْ إذَا قُلْنَا: إنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ كَطَلَاقِهِمْ (فَالْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ إنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا) حَالَ كُفْرِهِمَا، بِحَيْثُ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، بَعْدَ الْإِسْلَامِ (مُشْكِلٌ) إذْ كَيْفَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ مَا هُوَ فَاسِدٌ حَتَّى تَتَرَتَّبَ ثَمَرَةُ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؟ وَهَلْ يُصْلِحُ الْعَطَّارُ مَا أَفْسَدَ الدَّهْرُ وَرِضَاهُمْ بِحُكْمِنَا لَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا. وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] مَحِلُّهُ فِيمَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَالْجِنَايَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
إلَيْنَا، وَقَالُوا لَنَا اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ فِي وَعَلَى عَلَى الصَّوَابِ، أَوْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ، أَوْ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ، وَأَمَّا لَوْ قَالُوا اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي طَلَاقِ الْكُفْرِ، أَوْ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ عِنْدَكُمْ، حُكِمَ بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا لَوْ قَالُوا اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِحُكْمِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حُكِمَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَيُمْنَعُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِمَا يَجِبُ فِي دِينِنَا أَوْ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ فَإِنَّنَا نَطْرُدُهُمْ وَلَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [وَهَلْ يُصْلِحُ الْعَطَّارُ] إلَخْ: هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَأَجْزَاؤُهُ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ قَالَهَا بَعْضُهُمْ وَهِيَ:
عَجُوزٌ تَمَنَّتْ أَنْ تَكُونَ فِتْيَةً ... وَقَدْ يَبِسَ الْجَنْبَانِ وَاحْدَوْدَبَ الظَّهْرُ
تَرُوحُ إلَى الْعَطَّارِ تَبْغِي شَبَابَهَا ... وَهَلْ يُصْلِحُ الْعَطَّارُ مَا أَفْسَدَ الدَّهْرُ
بَنَيْت بِهَا قَبْلَ الْمَحَاقِ بِلَيْلَةٍ ... فَكَانَ مُحَاقًا كُلَّهُ ذَلِكَ الشَّهْرُ
وَمَا غَرَّنِي إلَّا الْخِضَابُ بِكَفِّهَا ... وَحُمْرَةُ خَدَّيْهَا وَأَثْوَابُهَا الصُّفْرُ
تَنْبِيهٌ:
يَمْضِي صَدَاقُ الْكُفَّارِ الْفَاسِدِ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى إسْقَاطِ الْمَهْرِ إنْ قُبِضَ الْفَاسِدُ، وَحَصَلَ دُخُولٌ فِيهِمَا وَيُقَرَّانِ إذَا أَسْلَمَا لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهَا فِي زَعْمِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ وَلَا دُخُولٌ قَبْلَ إسْلَامِهِمَا فَكَالتَّفْوِيضِ، فَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ وَيُلْزِمُهَا النِّكَاحَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute