كِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ تُوهِمُ قَصْدَ الطَّلَاقِ نَحْوُ: (اذْهَبِي وَانْصَرِفِي) وَانْطَلِقِي، (أَوْ) أَنَا (لَمْ أَتَزَوَّجْ، أَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ لَا، أَوْ) قَالَ لَهَا: (أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ: مُعْتَقَةٌ أَوْ: الْحَقِي بِأَهْلِك) ، فَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الطَّلَاقِ صُدِّقَ، وَإِنْ ادَّعَى عَدَدًا وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ صُدِّقَ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا.
(وَعُوقِبَ) الْآتِي بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّلْبِيسِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى النَّاسِ. (وَإِنْ قَصَدَهُ بِكَلِمَةٍ) كَاسْقِنِي (أَوْ صَوْتٍ) سَاذَجٍ (لَزِمَ) وَهَذَا مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ.
(لَا) يَلْزَمُ (إنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِهِ) : أَيْ بِالطَّلَاقِ، (فَعَدَلَ لِغَيْرِهِ غَلَطًا) كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالْتَفَتَ لِسَانُهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ قَائِمَةٌ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ: كُلِي أَوْ اشْرَبِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِ رُكْنِهِ وَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ مَعَ نِيَّتِهِ، بَلْ أَرَادَ إيقَاعَهُ بِلَفْظِهِ، فَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ.
(أَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِالثَّلَاثِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَسَكَتَ) عَنْ التَّلَفُّظِ بِالثَّلَاثِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّلَاثَ: بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِالثَّلَاثِ فَبَدَا لَهُ عَدَمُ الثَّلَاثِ فَسَكَتَ عَنْ النُّطْقِ بِهِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِهِ اللَّفْظُ، أَفَادَ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ اللَّفْظِ لَا غَيْرُ،
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [عِنْدَ الْفُقَهَاءِ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ إنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَلَا صَرِيحٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَيَلْزَمُ إذَا نَوَاهُ بِالصَّوْتِ السَّاذَجِ أَوْ الْمِزْمَارِ، وَأَمَّا الصَّوْتُ الضَّرْبُ بِالْيَدِ فَمِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يَحْتَاجُ لِلْعُرْفِ أَوْ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ أَرَادَ يَنْطِقُ بِالثَّلَاثِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ وَاحِدَةً، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَقِيلَ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ الثَّلَاثَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَسَكَتَ وَلَمْ يَأْتِ بِالشَّرْطِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute