جَعَلْتُ أَمْرَك أَوْ طَلَاقَكِ بِيَدِكِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا دَخْلَ لِلُّغَةِ فِيهِ، فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ الْآتِي: أَنَّ لِلزَّوْجِ الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ وَالذَّهَابَ لِمُنَاكَرَةِ الْمُمَلَّكَةِ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ، إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الْعُرْفِ وَعَلَى هَذَا يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِ الْعُرْفِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى ذَلِكَ عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ أَوْجَبَتْ نَقْلَ اللَّفْظِ عَنْ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ، فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ أَيْ فِي الطَّلَاقِ، أَيْ وَلَيْسَ مِنْ الْكِنَايَاتِ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ الْيَوْمَ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ، وَيَكُونُ كِنَايَةً مَحْضَةً كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، لِأَنَّ الْعُرْفَ قَدْ تَغَيَّرَ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدُورِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُسْتَنِدًا لِحُكْمٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ. وَإِلَى بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَأَحْكَامِهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
(لِلزَّوْجِ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لَهَا) : أَيْ لِلزَّوْجَةِ (أَوْ لِغَيْرِهَا تَوْكِيلًا) مَنْصُوبٌ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَيُخْرِجُ الرِّسَالَةَ وَقَوْلُهُ: " حَقًّا لِغَيْرِهِ " أَخْرَجَ بِهِ التَّوْكِيلَ، وَقَوْلُهُ: " رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ " أَخْرَجَ بِهِ التَّخْيِيرَ. قَوْلُهُ: [جَعَلْتُ أَمْرَكِ] إلَخْ: وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ، كَطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ مَلَّكْتُك أَمْرَكِ أَوْ وَلَّيْتُكِ أَمْرَكِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ لَهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ أَوْ الذَّهَابَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ تَخْيِيرٌ، وَكُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ فِي أَصْلِ الْعِصْمَةِ بِدَلِيلِ الْمُنَاكَرَةِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي فَهُوَ تَمْلِيكٌ.
قَوْلُهُ: [غَيْرَ أَنَّهُ] إلَخْ: هَذَا مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فِي اسْتِدْرَاكٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: [وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ، لِتَقْدِيمِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ عَلَى اللُّغَةِ، فَلَوْ كَانَ عُرْفُهُمْ إنْ خَيَّرْتُك كَمَلَّكْتُكِ فِي كَوْنِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ لَا صَرِيحًا كَانَ حُكْمُ الصِّيغَتَيْنِ وَاحِدًا فِي الْمُنَاكَرَةِ، وَإِنْ بِالْعَكْسِ عُمِلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute