وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ كِلَاءَةً كَكِلَاءَةِ الْوَلِيدِ» ، وَفِي الْقُرْآنِ: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: ٤٢] ، وَهُوَ (دَيْنٌ بِمِثْلِهِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْفَظُ صَاحِبَهُ وَيُرَاقِبُهُ.
(وَهُوَ أَقْسَامٌ) ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ (فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ فِي أَكْثَرِ مِمَّا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَسَخْتهَا فِي دِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ مُتَأَخَّرٍ قَبْضُهُ أَوْ فِي أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا أَوْ مَعَ حَطِيطَةِ بَعْضِهَا فَجَائِزٌ هَذَا إذَا كَانَ
ــ
[حاشية الصاوي]
مَكْلُوءٌ لَا كَالِئٌ وَالْكَالِئُ إنَّمَا هُوَ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْفَظُ الْمَدِينَ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي إسْنَادِ مَعْنَى الْفِعْلِ لِمُلَابِسِهِ. فَحَقُّ الْكِلَاءَةِ أَنْ تُسْنَدَ لِلشَّخْصِ بِأَنْ يُقَالَ: كَالِئُ صَاحِبِهِ فَأُسْنِدَتْ لِلدَّيْنِ لِلْمُلَابَسَةِ الَّتِي بَيْنَ الدَّيْنِ وَصَاحِبِهِ، أَوْ: إنْ كَالِئًا بِمَعْنَى مَكْلُوءٍ، فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِعِلَاقَةِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْكَالِئِ الْمَكْلُوءُ وَعَكْسُهُ.
قَوْلُهُ: [وَفِي الْحَدِيثِ] إلَخْ اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّ الْكِلَاءَةَ مَعْنَاهَا الْحِفْظُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك حِفْظًا مِنْك لِأَنْفُسِنَا كَحِفْظِ وَالِدَيْ الْمَوْلُودِ لِلْمَوْلُودِ فَوَلِيدٌ بِمَعْنَى مَوْلُودٍ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَهِيَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِفَسْخِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ أَشَدُّهَا لِكَوْنِهِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا] : أَيْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ أَوْ مَعَ حَطِيطَةِ بَعْضِهَا أَيْ بِأَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ وَيُؤَخِّرَ بِالْبَاقِي فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ كَانَ نَقْدًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ خِلَافًا لِ (عب) وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ بَلْ هُوَ سَلَفٌ أَوْ مَعَ حَطِيطَةٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ الِانْتِقَالُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ إلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةُ أَيْ وَلَوْ اتِّهَامًا فَدَخَلَ فِيهِ مَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ شَيْئًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مُؤَخَّرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا يُعَدُّ لَغْوًا، وَدَخَلَ أَيْضًا مَا لَوْ قَضَاك دَيْنَك ثُمَّ رَدَدْته إلَيْهِ سَلَمًا وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ تَقَعَانِ بِمِصْرَ لِلتَّحَيُّلِ عَلَى التَّأْخِيرِ بِزِيَادَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute