(بِخِلَافِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ بِالظُّلْمِ) : كَالْمَكَّاسِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَبَعْضِ الْأُمَرَاءِ (فَمَا) : أَيْ فَيُتْرَكُ لَهُ مَا (يَسُدُّ الرَّمَقَ) : أَيْ مَا يَحْفَظُ الْحَيَاةَ فَقَطْ (وَ) مَا (يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ) فَقَطْ، لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى مِثْلِ الْمُفْلِسِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
لَا غَيْرُ، وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يُطْلَقُ عَلَى الصَّحْرَاءِ وَعَلَى مَا يَلْبَسُهُ الشَّخْصُ وَيَكْفِيه فِي حَوَائِجِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ لَهُ وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَّا مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ وَيَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَتَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ] : اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَلَالٌ وَأَقَلُّهُ حَرَامٌ: الْمُعْتَمَدُ جَوَازُ مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ وَالْأَكْلُ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ. وَأَمَّا مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةُ مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ وَالْأَكْلِ مِنْ مَالِهِ، خِلَافًا لِأَصْبَغَ الْقَائِلِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ حَرَامٌ - وَهُوَ الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ - فَتُمْنَعُ مُعَامَلَتُهُ وَمُدَايَنَتُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ مِثْلُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ فَقَطْ. وَمَالُهُ - إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدَّهُ لِأَرْبَابِهِ - يَجِبُ صَرْفُهُ فِي مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ. وَاخْتُلِفَ إذَا نُزِعَ مِنْهُ لِيُصْرَفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، هَلْ يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَا؟ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ (اهـ. مِنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا. الْعَدَوِيِّ) .
تَنْبِيهٌ لَوْ وَرِثَ الْمُفْلِسُ أَبَاهُ أَوْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، بِيعَ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ إنَّ اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ وَعَتَقَ الْبَاقِي إنْ وُجِدَ مِنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَيُمَلَّكُ بَاقِي الثَّمَنِ، لَا إنْ وُهِبَ لَهُ فَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ بَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ إنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ لِأَجْلِ الْعِتْقِ. فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ - وَلَوْ عَلِمَ بِالْقَرَابَةِ كَالْأُبُوَّةِ - فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَقُ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [عَلَى مِثْلِ الْمُفْلِسِ] : " عَلَى " زَائِدَةٌ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهَا وَالْمَعْنَى: لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُعَامِلُوا مُسْتَغْرِقَ الذِّمَمِ مِثْلَ مُعَامَلَةِ الْمُفْلِسِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً بَلْ مَجْرُورُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَى شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ: " مِثْلُ الْمُفْلِسِ " أَيْ مِثْلُ الشَّيْءِ الَّذِي عَامَلُوا عَلَيْهِ الْمُفْلِسَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute