لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَقِيلَ: بَلْ يُقَلِّدُ قَوْلَ الْغَيْرِ إذَا كَانَ رَاجِحًا فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْغَيْرِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ فِي كَلَامِهِمْ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا الْفَتْوَى؟ قُلْنَا: أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: اتِّسَاعُ النَّظَرِ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ الرَّاجِحَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ مَدَارِكِ الْأَقْوَالِ، فَلِمَنْ لَهُ التَّرْجِيحُ تَرْجِيحُ مَا ضُعِّفَ لِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ عِنْدَهُ.
وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِهِ فِي نَفْسِهِ إذَا اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ الْخَلِيفَةَ إذَا وُلِّيَ مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ لَا يَجُوزُ عَزْلُهُ إذَا تَغَيَّرَ وَصْفُهُ؛ كَأَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ وَظُلْمُ النَّاسِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ قَاضٍ وَوَالٍ وَكَذَا الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَجَازَ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ مُطْلَقًا. .
وَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْخَلِيفَةِ إلَّا إذَا اتَّسَعَتْ وَبَعُدَتْ الْأَقْطَارُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ] : أَيْ لِضَرُورَةٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلَا يُفْتَى بِهِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا يَتَحَقَّقُهَا مِنْ نَفْسِهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا يُفِيدُهُ (بْن) .
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: بَلْ يُقَلِّدُ قَوْلَ الْغَيْرِ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ.
قَوْلُهُ: [أُمُورٌ] : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هِيَ أُمُورُ الْكَلَامِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ عِدَّةُ أُمُورٍ.
قَوْلُهُ: [وَالثَّانِي مَعْرِفَةُ مَدَارِكِ الْأَقْوَالِ] : هَذَا أَيْضًا لَازِمٌ لِاتِّسَاعِ النَّظَرِ وَالْمُرَادُ بِمَدَارِكِ الْأَقْوَالِ أَدِلَّتُهَا.
قَوْلُهُ: [كَأَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ] : أَيْ بِغَيْرِ الْكُفْرِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:
إلَّا بِكُفْرٍ فَانْبِذَنَّ عَهْدَهُ ... فَاَللَّهُ يَكْفِينَا أَذَاهُ وَحْدَهُ
بِغَيْرِ هَذَا لَا يُبَاحُ صَرْفُهُ ... وَلَيْسَ يُعْزَلُ إنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ
وَإِنَّمَا لَمْ يُعْزَلْ بِالْفِسْقِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِمَا فِي عَزْلِهِ مِنْ عِظَمِ الْفِتَنِ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ قَاضٍ وَوَالٍ] : أَيْ فَيَعْزِلُهُ الْإِمَامُ لِزَوَالِ وَصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى مِنْ عَزْلِهِ فِتَنٌ كَمَا يُخْشَى مِنْ عَزْلِ السُّلْطَانِ.
قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ زَالَ وَصْفُهُ أَمْ لَا بِسَبَبٍ وَبِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا اتَّسَعَتْ وَبَعُدَتْ الْأَقْطَارُ] : أَيْ كَمَا فِي زَمَانِنَا.