وَمِنْ الْإِرْفَاقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنْتَ قَدْ لَزِمَك الْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ بِقَوْلِك: قَدْ وَفَّيْتُهُ، أَوْ أَرْسَلَ لِي رَسُولًا أَوْ كِتَابًا يَدْفَعُهُ لِفُلَانٍ، أَوْ بِقَوْلِك: إنْ شَهِدَ عَلَى فُلَانٍ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْك فَلَا يُقْبَلُ مِنْك تَجْرِيحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ: بِنُكُولِك عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ: بِرَدِّك الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَتَحْلِيفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُنَا: " بِمَجْلِسِهِ " احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَسَاءَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا يُؤَدِّبُهُ، بَلْ يَرْفَعُهُ لِغَيْرِهِ إنْ شَاءَ وَالْعَفْوُ أَوْلَى. (وَ) نُدِبَ لِلْقَاضِي (إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِظُهُورِ الصَّوَابِ (أَوْ مُشَاوَرَتِهِمْ) لِذَلِكَ. وَهَذَا فِي مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ. وَأَمَّا الضَّرُورِيَّاتُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا لِذَلِكَ.
(وَلَهُ) : أَيْ لِلْقَاضِي إذَا وُلِّيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِبِلَادٍ (أَنْ يَسْتَخْلِفَ إنْ اتَّسَعَ عَمَلُهُ) : لَا إنْ لَمْ يَتَّسِعْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِخْلَافٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ هُوَ (بِجِهَةٍ) : أَيْ فِي جِهَةٍ (بَعُدَتْ) عَنْهُ بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ يَشُقُّ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ مِنْهُ إلَى مَحَلِّ الْقَضَاءِ، لَا إنْ قَرُبَتْ فَلَا يَجُوزُ. (مَنْ) مَفْعُولُ يَسْتَخْلِفَ أَيْ يَسْتَخْلِفَ رَجُلًا عَدْلًا (عَلِمَ مَا اُسْتُخْلِفَ فِيهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. فَإِذَا وَلَّاهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ فَقَطْ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَنْ يَقُولَ لَهُ] : أَيْ يَقُولَ الْقَاضِي لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ أَرْسَلَ لِي رَسُولًا] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَدْ وَفَّيْتُهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ الْقَوْلُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ بِقَوْلِك إنْ شَهِدَ] إلَخْ: مَعْطُوفٌ عَلَى بِقَوْلِك الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: [وَالْعَفْوُ أَوْلَى] : قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] .
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِلْقَاضِي إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ] : أَيْ فَإِنْ أَحْضَرَهُمْ أَوْ شَاوَرَهُمْ وَوَافَقُوهُ عَلَى مَا يُرِيدُ الْحُكْمَ بِهِ، فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَإِنْ خَالَفُوهُ وَأَظْهَرُوا لَهُ فَسَادَ مَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِهِ وَافَقَهُمْ، وَنُدِبَ إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُشَاوِرَةُ فِي الْمُشْكِلَاتِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ لَهُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ غَيْرَ الظَّاهِرِ لَهُمْ، فَإِذَا أَحْضَرَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا ظَهَرَ لَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ اجْتِهَادِهِ كَمَا كَانَ يَقَعُ لِكِبَارِ الصَّحَابَةِ. .
قَوْلُهُ: [بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ] : أَيْ زَائِدَةٍ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute