قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَا تَكْمُلُ إلَّا أَنْ يَنْضَمَّ فِيهَا أَهْلُ الْعَدْلِ وَغَيْرُهُمْ، عَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ النَّاسِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٌ: يَكْفِي أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ، وَشَهَرَ أَيْضًا وَاعْلَمْ أَنَّ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ إنَّمَا جَازَتْ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِمَا عَلِمَ مِمَّا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَإِذَا شَهِدَتْ بِسَمَاعِ الْمِلْكِ لِحَائِزٍ لَمْ يُنْزَعْ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَلَا طُولَ الْحِيَازَةِ - خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ - فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا سَبَقَ فَهْمُهُ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ بِلَا تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ فِي بَيِّنَةِ الْبَتِّ بِالْمِلْكِ، وَسَتَأْتِي لَهُ فِي الْحِيَازَةِ بِقَوْلِهِ: " وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ " إلَخْ - ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي.
(وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْبَتِّ) بِالْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ؛ فَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ لِهَذَا الْحَائِزِ، وَشَهِدَتْ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَشَهَرَ أَيْضًا] : اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الثَّابِتَ فِي نُطْقِ الشُّهُودِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا اعْتِمَادُهُمْ فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ: الْأُولَى تَحْكِي الْخِلَافَ أَيْضًا فَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إلَّا إذَا اعْتَمَدَ الشُّهُودُ عَلَى سَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يَكْفِي فِي قَبُولِهَا اعْتِمَادُهُمْ عَلَى سَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ الثِّقَاتِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَقُولُ: الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي نُطْقِ الشُّهُودِ، أَمَّا الِاعْتِمَادُ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ الْفَاشِيِّ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الَّتِي مَالَ إلَيْهَا (بْن) حَيْثُ قَالَ: الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَلُّقِ لَا فِي الِاعْتِمَادِ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [مِمَّا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّهُ] : أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ.
قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ] : يَعْنِي خَلِيلًا حَيْثُ قَالَ: " وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ بِمِلْكِ الْحَائِزِ وَتَصَرُّفٍ طَوِيلٍ " (اهـ) .
قَوْلُهُ: [ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) نَقْلًا عَنْ (ر) .
قَوْلُهُ: [أَوْ أَهَذَا الْعَبْدُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ هَذَا وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ حَذْفُ تِلْكَ الْهَمْزَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute