(أَوْ أَمَانٍ) لِحَرْبِيٍّ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. شَمَلَ الْأَمَانُ عَقْدَ الْجِزْيَةِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَوْ جِزْيَةٍ.
(فَالْقَوَدُ) : جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ: إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ مَعْصُومًا فَالْقَوَدُ: أَيْ الْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِوَلِيِّ الدَّمِ عَلَيْهِ لَا لِغَيْرِ وَلِيِّ الدَّمِ، بَلْ هُوَ مَعْصُومٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ. فَإِذَا قَتَلَ غَيْرُ وَلِيِّ الدَّمِ قَاتِلًا لِمَعْصُومٍ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " كَالْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ ".
وَبَالَغَ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِلْوَلِيِّ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ قَالَ) الْمَعْصُومُ لِإِنْسَانٍ: (إنْ قَتَلْتَنِي أَبْرَأْتُك) فَقَتَلَهُ: فَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ قَاتِلِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ وَلَمْ يُنْفِذْ مَقْتَلَهُ: أَبْرَأْتُك مِنْ دَمِي، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقًّا قَبْلَ وُجُوبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ أَوْ قَالَ لَهُ:
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَوْ أَمَانٍ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] قَوْلُهُ: [فَالْقَوَدُ] : إنَّمَا سُمِّيَ الْقَتْلُ قِصَاصًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَقُودُونَ الْجَانِي لِمُسْتَحِقِّهَا بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ. هَذَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ الْقِصَاصُ مِنْ الْجَانِي يُكَفِّرُ عَنْهُ إثْمَ الْقَتْلِ أَمْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» فَعَمَّمَ وَلَمْ يُخَصِّصْ قَتْلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ الْمَظْلُومَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ مَنْفَعَتُهُ لِلْأَحْيَاءِ لِيَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ الْقَتْلِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَيُخَصُّ الْحَدِيثُ بِالْحُدُودِ الَّتِي الْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ فَقَطْ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute