وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَفْضُلُ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ وَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ بِالْجَوَارِحِ أَوْ بِسَبَبِ الِاعْتِقَادِ. وَيَكُونُ الْبِرُّ بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ الدَّالِّ عَلَى مَحَبَّتِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا بِدُونِ رَفْعِ صَوْتٍ عَلَيْهِمَا وَيَقُودُ الْأَعْمَى مِنْهُمَا - وَلَوْ كَافِرًا - لِلْكَنِيسَةِ وَيَحْمِلُهُمَا لَهَا، وَيُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِهِ فِي أَعْيَادِهِمَا لَا مَا يُنْفِقَانِهِ فِي الْكَنِيسَةِ أَوْ لِلْقِسِّيسِ، وَيُطِيعُ الْوَالِدَيْنِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ. نَعَمْ قَالُوا: لَا يُطِيعُ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ أَوْ رَغِيبَةٍ عَلَى الدَّوَامِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ وَلَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ. وَمِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ: أَنْ لَا يُحَاذِيَهُمَا فِي الْمَشْيِ وَلَا يَجْلِسَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَفْضُلُ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ] : لِأَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ مُحَقَّقَةٌ وَلِلْأَبِ ظَنِّيَّةٌ وَلِتَأَلُّمِهَا فِي حَمْلِهِ وَفِصَالِهِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] الْآيَةَ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُمَا مُشْرِكَانِ غَيْرُ حَرْبِيَّيْنِ وَإِلَّا فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُمَا وَلَهُ قَتْلُهُمَا حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: [بِالْجَوَارِحِ] : أَيْ الظَّاهِرَةِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ بِسَبَبِ الِاعْتِقَادِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ فِسْقُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِالْعَقَائِدِ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَافِرًا لِلْكَنِيسَةِ] : مُرْتَبِطٌ بِمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ كَأَنَّهُ قَالَ يَقُودُ الْأَعْمَى لِمَصَالِحِهِ، هَذَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا بَلْ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَيَقُودُهُ لِمَطْلُوبِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْكَنِيسَةِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» .
قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يُحَاذِيَهُمَا فِي الْمَشْيِ] : أَيْ فَضْلًا عَلَى التَّقَدُّمِ عَلَيْهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ نَحْوِ ظَلَامٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يَجْلِسُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا] : أَيْ وَلَا يَقُومُ إلَّا كَذَلِكَ وَلَا يَسْتَقْبِحُ مِنْهُمَا نَحْوَ الْبَوْلِ عِنْدَ كِبَرِهِمَا أَوْ مَرَضِهِمَا وَبِالْجُمْلَةِ فَيَجِبُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْقَوْلِ وَالْجَسَدِ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute