للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ مِنًى أَوْ بَعِيدًا كَأَهْلِ الْآفَاقِ، فَيَسْتَقْبِلُ الْمُصَلِّي تِلْكَ الْجِهَةَ (اجْتِهَادًا) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (إنْ أَمْكَنَ) : الِاجْتِهَادُ بِمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجِهَةِ كَالْفَجْرِ وَالشَّفَقِ وَالشَّمْسِ وَالْقُطْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَوَاكِبِ، وَكَذَا الرِّيحُ الشَّرْقِيُّ أَوْ الْجَنُوبِيُّ أَوْ الشَّمَالِيُّ وَالْغَرْبِيُّ. وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مَعَ إمْكَانِ الِاجْتِهَادِ

(وَإِلَّا) يُمْكِنُ الِاجْتِهَادُ (قَلَّدَ) : عَارِفًا عَدْلًا.

(وَلَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ - وَإِنْ أَعْمَى -) : غَيْرَهُ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ.

ــ

[حاشية الصاوي]

لَا بِالِاجْتِهَادِ وَجَامِعَ عَمْرٍو بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي يُفِيدُ الْقَطْعَ لَا بِالِاجْتِهَادِ الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ.

قَوْلُهُ: [قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ] : أَيْ وَلَا يُمْكِنُهُ مُسَامَتَةُ الْعَيْنِ.

قَوْلُهُ: [أَيْ بِالِاجْتِهَادِ] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ. وَكَوْنُ الْمُصَلِّي بِغَيْرِهَا يَسْتَقْبِلُ الْجِهَةَ بِالِاجْتِهَادِ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ لَا سَمْتَهَا، خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ؛ فَعِنْدَهُ يُقَدِّرُ الْمُصَلِّي الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ لَهَا، إذْ الْجِسْمُ الصَّغِيرُ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ اتَّسَعَتْ جِهَتُهُ، كَغَرَضِ الرُّمَاةِ. فَإِذَا تَخَيَّلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْكَزًا خَرَجَ مِنْهَا خُطُوطٌ مُجْتَمِعَةُ الْأَطْرَافِ فِيهِ، وَكُلَّمَا بَعُدَتْ اتَّسَعَتْ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَذْهَبِهِ بُطْلَانُ الصَّفِّ الطَّوِيلِ، بَلْ جَمِيعُ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَفْرِقَتِهَا تُقَدِّرُ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مُقَابَلَةَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ. وَإِنَّمَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ يَجْتَهِدُ فِي الْجِهَةِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَصَّارِ: يَجْتَهِدُ فِي اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يُقَدِّرَ الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: لَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُعِيدُ أَبَدًا. (اهـ.) لَكِنْ قَالَ بْن: الْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ] إلَخْ: أَيْ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ لِمِحْرَابِ غَيْرِ مِصْرٍ.

قَوْلُهُ: [عَدْلًا] : أَيْ فِي الرِّوَايَةِ.

قَوْله: [وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ] : أَيْ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>