للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَحْسَنُ عَدَمُ تَحْدِيدِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَأَمَّا تَحْدِيدُهُ بِنِصْفِ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُوحِيَ إلَيْهِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يُلْقِيه الْمَلَكُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ بِأَنَّهَا سِتَّةٌ وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ. وَلَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا جُزْءًا: أَيْ فِي الْجُمْلَةِ إذْ فِيهَا اطِّلَاعٌ عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَنْوَاعٌ؛ لِأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِي عَلَى أَنْوَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُصَّهَا) : أَيْ يُخْبِرَ بِهَا وَيَعْرِضَ مَا رَأَى (عَلَى عَالِمٍ صَالِحٍ مُحِبٍّ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ نُورٌ وَفِرَاسَةٌ. (وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ يَحْرُمُ (تَعْبِيرُهَا لِغَيْرِ عَارِفٍ بِهَا) قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَالْعِلْمُ بِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا لَيْسَ مِنْ كُتُبٍ كَمَا يَقَعُ لِلنَّاسِ مِنْ التَّعْبِيرِ مِنْ ابْنِ سِيرِينَ فَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهَا بِمَا فِيهِ، بَلْ يَكُونُ بِفَهْمِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَفِرَاسَةٍ وَعِلْمٍ بِالْمَعَانِي، وَالْفِرَاسَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا: نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ يُدْرِكُ بِهِ الصَّوَابَ وَقِيلَ؛ ظَنٌّ صَائِبٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَرُمَ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا عَلَى خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ تَفْسِيرُهَا بِالضِّدِّ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، بَلْ إنْ كَانَتْ شَرًّا يَقُولُ نَحْوَ: نَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، أَوْ يَسْكُتُ.

وَإِنْ فَسَّرَ بِالضِّدِّ لَا تَخْرُجُ عَلَى مَا عُبِّرَتْ بِهِ. وَقِيلَ: الرُّؤْيَا عَلَى مَا عُبِّرَتْ بِهِ، وَلِذَلِكَ يُنْهَى عَنْ قَصِّهَا عَلَى عَدُوٍّ خَوْفَ أَنْ يُخْبِرَ بِسُوءٍ فَتَخْرُجُ عَلَيْهِ (وَمَنْ رَأَى) فِي نَوْمِهِ (مَا يَكْرَهُ) وَاسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ (فَلْيَتْفُلْ) بِضَمِّ الْفَاءِ

ــ

[حاشية الصاوي]

قَوْلُهُ: [وَأَمَّا تَحْدِيدُهُ] إلَخْ: هَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَهُ شُرَّاحُ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَتِمُّ إلَّا لَوْ لَمْ يُعَارِضْهَا رِوَايَاتٌ أُخَرُ مَعَ أَنَّهُ عَارَضَهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: «جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» وَمِنْهَا «جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا» وَمِنْهَا «جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ»

قَوْلُهُ: [أَوْ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَنْوَاعٌ] : أَيْ فَتَارَةً تَكُونُ بِالْمِلْكِ جِهَارًا وَهُوَ أَقْسَامٌ وَبِالْمُكَالَمَةِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَبِالْإِلْقَاءِ فِي الرَّوْعِ وَبِالْمَنَامِ.

قَوْلُهُ: [فَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهَا بِمَا فِيهِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَنْضَمَّ لِذَلِكَ بَصِيرَةٌ مِنْ الْمُعَبِّرِ؛ لِأَنَّ مَا فِي ابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ شَاهِينَ صَحِيحٌ قَطْعًا لَكِنْ لَا تَتَّحِدُ النَّاسُ فِيهِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَزْمَانِهِمْ وَأَشْغَالِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>