إذْ الْغَائِبُ عَنْ نَفْسِهِ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ تَرْكِ الْهَاءِ مِنْ اللَّهِ. فَإِذَا ذَكَرَ ذِكْرًا شَرْعِيًّا أَوْرَثَ لَهُ الْأَنْوَارَ وَالثَّوَابَ الْأَعْظَمَ. وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِ الذَّاكِرِ وَالذِّكْرِ وَبُغْضِ اللَّهِ مَنْ يَبْغُضُ الذَّاكِرِينَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَبَاحًا ثُمَّ قَالَهَا مَسَاءً نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَلَا أَقْرِنُوا الْأُخْرَى بِالْأُولَى» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ حَافِظَيْنِ رَفَعَا إلَى اللَّهِ مَا حَفِظَا مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَيَرَى فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ خَيْرًا وَفِي آخِرِهَا خَيْرًا، إلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الصَّحِيفَةِ» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ شَيْءٍ مِفْتَاحٌ وَمِفْتَاحُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» أَيْ تُفْتَحُ بَرَكَاتُهُمَا بِهَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
ــ
[حاشية الصاوي]
أَنَّهُ يَذْكُرُ اسْمَ الْجَلَالَةِ مَمْدُودَ الْهَمْزَةِ عَلَى صُورَةِ الْمُسْتَفْهِمِ فَمِثْلُ هَذَا لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ يَقْصِدُهُ وَيُقَلَّدُ فِيهِ، وَقَدْ سُئِلْت عَنْ ذَلِكَ فَأَلْهَمَنِي اللَّهُ أَنَّ الشَّيْخَ يَجْعَلُ الْهَمْزَةَ لِلنِّدَاءِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَالْهَمْزَةُ لِلدَّانِي.
قَوْلُهُ: [إذْ الْغَائِبُ عَنْ نَفْسِهِ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ:
وَبَعْدَ الْفَنَا فِي اللَّهِ كُنْ كَيْفَمَا تَشَا ... فَعِلْمُك لَا جَهْلٌ وَفِعْلُك لَا وِزْرُ
وَقَالَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ:
فَلَا تَلُمْ السَّكْرَانَ فِي حَالِ سُكْرِهِ ... فَقَدْ رُفِعَ التَّكْلِيفُ فِي سُكْرِنَا عَنَّا
فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِآدَابِ الذِّكْرِ وَادَّعَى الْحَالَ نَتْرُكُهُ فَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ.
قَوْلُهُ: [وَبُغْضِ اللَّهِ] : بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى عَظِيمِ.
قَوْلُهُ: [أَلَا أَقْرِنُوا الْأُخْرَى بِالْأُولَى] : أَيْ فَالْمُرَادُ مَحْوُ مَا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ الذُّنُوبِ.
قَوْلُهُ: [قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ] : لَعَلَّهُمْ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِالْأَعْمَالِ.
قَوْلُهُ: [يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ] : أَيْ لَا بِقَصْدِ رِيَاءٍ وَلَا سُمْعَةٍ وَلَا تُقْيَةٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَالْمُنَافِقِينَ.
قَوْلُهُ: [أَيْ تُفْتَحُ بَرَكَاتُهُمَا بِهَا] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: ٩٦]