للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

قَالَ الْإِمَامُ الدَّرْدِيرُ:

ــ

[حاشية الصاوي]

قَوْلُهُ: [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] : افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، لِافْتِتَاحِ الْكِتَابِ بِهَا وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - كَمَا فِي رِوَايَةٍ - فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ أَوْ أَجْذَمُ» أَيْ نَاقِصٌ وَقَلِيلُ الْبَرَكَةِ.

وَالْبَاءُ: لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ التَّبَرُّكِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُؤَلِّفُ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ يَعُمُّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ التَّأْلِيفِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ أَفْتَتِحُ وَنَحْوِهِ، لِإِيهَامِ قَصْرِ التَّبَرُّكِ عَلَى الِافْتِتَاحِ فَقَطْ. وَاَللَّهُ: عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ فَيَعُمُّ الصِّفَاتِ.

وَالرَّحْمَنُ: الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ كَمِّيَّةً أَوْ كَيْفِيَّةً. وَالرَّحِيمُ: الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا كَذَلِكَ.

وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ اللَّهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ، ثُمَّ الثَّانِيَ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الثَّالِثِ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَتْمِيمُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مِنْ الْفَنِّ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فَنَقُولُ: إنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْفَنِّ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ فِيهِ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَحُرْمَةٍ وَكَرَاهَةٍ وَإِبَاحَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ إنَّ حُكْمَ الْبَسْمَلَةِ الْأَصْلِيَّ النَّدْبُ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ مِنْ الْأَذْكَارِ؛ وَالْأَصْلُ فِي الْأَذْكَارِ أَنْ تَكُونَ مَنْدُوبَةً، وَيَتَأَكَّدُ النَّدْبُ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوَائِلِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَلَوْ شِعْرًا، كَمَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ح، وَقَوْلُهُمْ: الشِّعْرُ لَا يُبْتَدَأُ بِالْبَسْمَلَةِ، مَحَلُّهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَدْحِ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ أَوْ ذَمِّ مَنْ لَا يَجُوزُ ذَمُّهُ، وَقَدْ تَعْرِضُ لَهَا الْكَرَاهَةُ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ كَاسْتِعْمَالِ ذِي الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَتَحْرُمُ إذَا أَتَى بِهَا الْجُنُبُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَا بِقَصْدِ التَّحَصُّنِ، وَكَذَا تَحْرُمُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِالْحَرَامِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ: بِكَرَاهَتِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَارْتَضَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَتَحْرُمُ فِي ابْتِدَاءِ بَرَاءَةٌ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: بِالْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا فِي أَثْنَائِهَا فَتُكْرَهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَتُنْدَبُ عِنْدَ الثَّانِي. قَالَ ح: وَلَمْ أَرَ لِأَهْلِ مَذْهَبِنَا شَيْئًا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا حَالَةُ وُجُوبٍ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>