فَإِنْ اعْتَكَفَ غَيْرَ مَكْفِيٍّ، جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ لِشِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ أَقْرَبَ مَكَان أَمْكَنَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ - إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ - (دُخُولُهُ بِمَنْزِلٍ بِهِ أَهْلُهُ) أَيْ زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ لِئَلَّا يَطْرَأَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا مَا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ.
(وَ) كُرِهَ (اشْتِغَالُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ (بِعِلْمٍ) وَلَوْ شَرْعِيًّا تَعْلِيمًا أَوْ تَعَلُّمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاعْتِكَافِ صَفَاءُ الْقَلْبِ بِمُرَاقَبَةِ الرَّبِّ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ غَالِبًا بِالذِّكْرِ وَعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِالنَّاسِ، (وَكِتَابَةٍ، وَإِنْ) كَانَ الْمَكْتُوبُ (مُصْحَفًا) لِمَا فِيهَا مِنْ نَوْعِ اشْتِغَالٍ عَنْ مُلَاحَظَةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِكَافِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ، بَلْ صَفَاءُ مِرْآةِ الْقَلْبِ الَّذِي بِهِ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ، (إنْ كَثُرَ) لَا إنْ قَلَّ
وَعَطَفَ عَامًّا عَلَى خَاصٍّ بِقَوْلِهِ: (وَ) كُرِهَ اشْتِغَالُهُ بِكُلِّ (فِعْلٍ غَيْرِ ذِكْرٍ وَتِلَاوَةٍ وَصَلَاةٍ) : وَأَمَّا فِعْلُ هَذِهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَإِنْ اعْتَكَفَ غَيْرَ مَكْفِيٍّ] : أَيْ مُرْتَكِبًا لِلْكَرَاهَةِ.
قَوْلُهُ: [دُخُولُهُ بِمَنْزِلٍ بِهِ أَهْلُهُ] إلَخْ: أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِ الْمَنْزِلِ فِيهِ أَهْلُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِمْ عَنْ اعْتِكَافِهِ. وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ جَوَازُ مَجِيءِ زَوْجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَنْزِلُ قَرِيبًا فَلَوْ كَانَ بَعِيدًا وَذَهَبَ إلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَنْزِلِ أَهْلُهُ فَلَا كَرَاهَةَ، أَوْ بِأَنْ دَخَلَ فِي أَسْفَلِ الْبَيْتِ وَأَهْلُهُ بِأَعْلَاهُ.
قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ اشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ] إلَخْ: أَيْ غَيْرِ عَيْنِيٍّ وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ، وَكَرَاهَةُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ الْغَيْرِ الْعَيْنِيِّ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَخْتَصُّ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةِ وَأَمَّا عَنْ مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمُعْتَكِفِ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَجُوزُ لَهُ مُدَارَسَةُ الْعِلْمِ وَكِتَابَتُهُ.
قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِكَافِ] إلَخْ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ.
قَوْلُهُ: [الَّذِي بِهِ] : أَيْ بِالصَّفَاءِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى اعْتَنَتْ الصُّوفِيَّةُ بِالْخَلْوَةِ الْمَشْهُورَةِ بِشُرُوطِهَا، فَإِنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا أَكْثَرَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَلِذَلِكَ لَا يُحْسِنُهَا إلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُمْ الْعِنَايَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute