للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ سَنَةً (كَإِقَامَةِ الْمَوْسِمِ) بِعَرَفَةَ وَالْبَيْتِ وَبَقِيَّةِ الْمُشَاهَدِ كُلَّ سَنَةٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِي.

(عَلَى الْمُكَلَّفِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضِ (الْحُرِّ) دُونَ الرَّقِيقِ (الذَّكَرِ) لَا الْأُنْثَى (الْقَادِرِ) لَا الْعَاجِزِ عَنْ ذَلِكَ بِفَقْدِ قُدْرَةٍ أَوْ مَالٍ.

(كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ) فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، أَيْ غَيْرُ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْهَا، وَهِيَ: فَنُّ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ، لِأَنَّ فِي الْقِيَامِ بِهَا صَوْنًا لِلدِّينِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِهَا: قِرَاءَتُهَا وَحِفْظُهَا وَتَدْوِينُهَا وَتَهْذِيبُهَا وَتَحْقِيقُهَا، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوٍ وَمَعَانٍ وَبَيَانٍ، لَا عُرُوضٍ وَبَدِيعٍ، وَلَا هَيْئَةٍ وَمَنْطِقٍ.

(وَالْفَتْوَى) وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

ــ

[حاشية الصاوي]

قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ سَنَةً] : ظَاهِرُهُ مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ. وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِذْلَالِ الْكَفَرَةِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَعَ الْخَوْفِ، وَنَافِلَةٌ مَعَ الْأَمْنِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَمَا عَلِمْت. وَيَكُونُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنْ اسْتَوَتْ الْجِهَاتُ فِي الضَّرَرِ خُيِّرَ الْإِمَامُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يُرْسِلُ إلَيْهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ كِفَايَةٌ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ وَإِلَّا وَجَبَ فِي الْجَمِيعِ.

قَوْلُهُ: [كَإِقَامَةِ الْمَوْسِمِ] : وَتَحْصُلُ إقَامَتُهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الشَّعِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظُوا فَرْضَ الْكِفَايَةِ، نَعَمْ ثَوَابُ الْفَرْضِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ.

قَوْلُهُ: [فَرْضُ كِفَايَةٍ] : أَيْ وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ فِي أَحْكَامِهِ ظَالِمٍ فِي رَعِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَادِرًا يَنْقُضُ الْعُهُودَ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْأَصْلِ.

قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُكَلَّفِ] إلَخْ: يَشْمَلُ الْكَافِرَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. وَثَمَرَةُ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّنَا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ وَلَا نَسْتَعِينُ بِهِمْ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَى تَرْكِهِ عَذَابًا زَائِدًا عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ، كَمَا يُعَذَّبُونَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.

قَوْلُهُ: [وَلَا هَيْئَةٍ وَمَنْطِقٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ تَعَلُّمِ الْمَنْطِقِ لِتَوَقُّفِ الْعَقَائِدِ عَلَيْهِ، وَرَدَّ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ عَقَائِدِ الدِّينِ إلَّا الْعَقِيدَةَ الَّتِي يُشَارِكُ فِيهَا الْعَوَامُّ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُمْ بِصِفَةِ الْمُجَادَلَةِ، فَالْعَقَائِدُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْنَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَنْطِقٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَالدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّرَاكِيبِ الْمَنْطِقِيَّةِ لِأَنَّهَا اصْطِلَاحُ حَدَثٍ كَمَا هُوَ الْحَقُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>