للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ لِلْحَالِ بِإِضْمَارِ قَدْ، أَيْ: وَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمُ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّنَاتِ، أي: الآيات الْبَيِّنَاتِ الْوَاضِحَاتِ الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ الرُّسُلِ وَقِيلَ: الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى ظَلَمُوا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالظُّلْمِ هُنَا هُوَ الشِّرْكُ، وَالْوَاوُ فِي وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا لِلْعَطْفِ عَلَى ظَلَمُوا، أَوِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَاللَّامُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، أَيْ وَمَا صَحَّ لَهُمْ وَمَا اسْتَقَامَ أَنْ يُؤْمِنُوا لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِمْ لِذَلِكَ وَسَلْبِ الْأَلْطَافِ عَنْهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْجَزَاءِ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ، وَهُوَ الِاسْتِئْصَالُ الْكُلِّيُّ لِكُلِّ مُجْرِمٍ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ مِنَ الْكُفَّارِ. أَوْ لِكُفَّارِ مَكَّةَ عَلَى الْخُصُوصِ، ثُمَّ خَاطَبَ سُبْحَانَهُ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ أَيِ: اسْتَخْلَفْنَاكُمْ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ تِلْكَ الْقُرُونِ الَّتِي تَسْمَعُونَ أَخْبَارَهَا، وَتَنْظُرُونَ آثَارَهَا، وَالْخَلَائِفُ جَمْعُ خَلِيفَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَاللَّامُ فِي لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ لَامُ كَيْ، أَيْ: لِكَيْ نَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ مِنْ أَعْمَالِ الخير أو الشرّ، وكَيْفَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ، أَيْ: لِنَنْظُرَ أَيُّ عَمَلٍ تَعْمَلُونَهُ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِيَّةِ، أَيْ: عَلَى أَيِّ حَالَةٍ تَعْمَلُونَ الْأَعْمَالَ اللَّائِقَةَ بِالِاسْتِخْلَافِ، ثُمَّ حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَوْعًا ثَالِثًا مِنْ تَعَنُّتِهِمْ وَتَلَاعُبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَقَالَ: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ إِعْرَاضًا عَنْهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ: الْآيَاتُ الَّتِي فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، أَيْ: وَإِذَا تَلَا التَّالِي عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا الدَّالَّةَ عَلَى إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ، وَإِبْطَالِ الشِّرْكِ حَالَ كَوْنِهَا بَيِّنَاتٍ، أَيْ: وَاضِحَاتِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا وَهُمُ الْمُنْكِرُونَ لِلْمَعَادِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ قَرِيبًا، أَيْ: قَالُوا لِمَنْ يَتْلُوهَا عَلَيْهِمْ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ طَلَبُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعُوا مَا غَاظَهُمْ فِيمَا تَلَاهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ عَبَدَهَا أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا الْإِتْيَانَ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا الْقُرْآنِ مَعَ بَقَاءِ هَذَا الْقُرْآنِ عَلَى حَالِهِ، وَإِمَّا تَبْدِيلَ هَذَا القرآن بنسخ آيَاتِهِ، أَوْ كُلِّهَا وَوَضْعِ أُخْرَى مَكَانَهَا مِمَّا يُطَابِقُ إِرَادَتَهُمْ، وَيُلَائِمُ غَرَضَهُمْ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ فِي جَوَابِهِمْ: مَا يَكُونُ لِي أَيْ: مَا يَنْبَغِي لِي، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ، وَهُوَ التَّبْدِيلُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْكِنُهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِقُرْآنٍ آخَرَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ أَسْهَلَ الْقِسْمَيْنِ لِيَكُونَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ أَصْعَبِهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذَا منه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ مُجَارَاةِ السُّفَهَاءِ، إِذْ لَا يَصْدُرُ مِثْلُ هَذَا الِاقْتِرَاحِ عَنِ الْعُقَلَاءِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ. وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، وَبِمَا يَدْفَعُ الْكُفَّارَ عَنْ هَذِهِ الطلبات الساقطة، والسؤالات الباردة، وتِلْقاءِ مَصْدَرٌ اسْتُعْمِلَ ظَرْفًا، مِنْ قِبَلِ نَفْسِي، قَالَ الزَّجَّاجُ:

سَأَلُوهُ إِسْقَاطَ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَقِيلَ: سَأَلُوهُ أَنْ يُسْقِطَ مَا فِيهِ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ وَقِيلَ: سَأَلُوهُ أَنْ يُحَوِّلَ الْوَعْدَ وَعِيدًا، وَالْحَرَامَ حَلَالًا، وَالْحَلَالَ حَرَامًا، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُؤَكِّدَ مَا أَجَابَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنَّهُ مَا صَحَّ لَهُ وَلَا اسْتَقَامَ أَنْ يُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ أَيْ: مَا أَتَّبِعُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ، وَلَا تَحْوِيلٍ، وَلَا تَحْرِيفٍ، وَلَا تَصْحِيفٍ، فَقَصَرَ حَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى اتِّبَاعِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَقْصِدُ الْكُفَّارِ بِهَذَا السُّؤَالِ التَّعْرِيضَ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>