الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، وَأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِغَيْرِهِ، والتبديل له، ثم أمره سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ تَكْمِيلًا لِلْجَوَابِ عَلَيْهِمْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنَ الْجَوَابِ قَبْلَهَا، وَالْيَوْمُ الْعَظِيمُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَيْ: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بِفِعْلِ مَا تَطْلُبُونَ عَلَى تَقْدِيرِ إِمْكَانِهِ عَذَابَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ كَوْنَ هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إِنَّمَا يُبَلِّغُ إِلَيْهِمْ مِنْهُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ أَيْ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ عَلَيْكُمْ هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا أَتْلُوَهُ عَلَيْكُمْ، وَلَا أُبَلِّغَكُمْ إِيَّاهُ مَا تَلَوْتُهُ، فَالْأَمْرُ كُلُّهُ مَنُوطٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَيْسَ لِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، قَوْلُهُ: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَلَوْتُهُ، وَلَوْ شاء مَا أَدْرَاكُمْ بِالْقُرْآنِ: أَيْ مَا أَعْلَمَكُمْ بِهِ عَلَى لِسَانِي يُقَالُ: دَرَيْتُ الشَّيْءَ وَأَدْرَانِي اللَّهُ بِهِ. هَكَذَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْأَلِفِ مِنْ أَدْرَاهُ يُدْرِيهِ:
أَعْلَمَهُ يُعْلِمُهُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَلَأَدْرَاكُمْ بِهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَيْنِ اللَّامِ وَالْهَمْزَةِ وَالْمَعْنَى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْلَمَكُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَيْكُمْ، فَتَكُونُ اللَّامُ لَامَ التَّأْكِيدِ دَخَلَتْ عَلَى أَلِفِ أَفْعَلَ. وَقَدْ قُرِئَ أَدْرَؤُكُمْ بِالْهَمْزَةِ فَقِيلَ هِيَ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْأَلِفِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دَرَأْتُهُ: إِذَا دَفَعْتُهُ، وَأَدْرَأْتُهُ: إِذَا جَعَلْتُهُ دَارِيًا. والمعنى: لأجعلكم بتلاوته خصماء تدرؤونني بِالْجِدَالِ وَتُكَذِّبُونَنِي. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَلَا أَدْرَاتُكُمْ بِهِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَصْلُهُ وَلَا أَدْرَيْتُكُمْ بِهِ، فَأُبْدِلَ مِنَ الْيَاءِ أَلِفًا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا غَلَطٌ.
وَالرِّوَايَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَلَا أَدْرَأْتُكُمْ بِالْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا التَّبْلِيغُ أَيْ قَدْ أَقَمْتُ فِيمَا بَيْنَكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ، أَيْ: زَمَانًا طَوِيلًا، وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ تَعْرِفُونَنِي بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، لَسْتُ مِمَّنْ يَقْرَأُ، وَلَا مِمَّنْ يَكْتُبُ أَفَلا تَعْقِلُونَ الْهَمْزَةُ: لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ أَيْ: أَفَلَا تَجْرُونَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ مِنْ عَدَمِ تَكْذِيبِي لِمَا عَرَفْتُمْ مِنَ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ إِلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَعَدَمِ قِرَاءَتِي لِلْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ، وَتَعَلُّمِي لِمَا عِنْدَ أَهْلِهَا مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا طَلَبِي لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ وَلَا حِرْصِي عَلَيْهِ، ثُمَّ جِئْتُكُمْ بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي عَجَزْتُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِنْهُ، وَقَصَّرْتُمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَأَنْتُمُ الْعَرَبُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِكَمَالِ الْفَصَاحَةِ الْمُعْتَرَفُ لَهُمْ بِأَنَّهُمُ الْبَالِغُونَ فِيهَا إِلَى مَبْلَغٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَيْرُكُمْ؟
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ الْآيَةَ، قَالَ: هُوَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِمْ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ قَالَ: لَأَهْلَكَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِ وَأَمَاتَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشيخ عن سعيد ابن جُبَيْرٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، اللَّهُمَّ اخْزِهِ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَمُقَاتِلٍ فِي الْآيَةِ قَالَا: هُوَ قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً من السماء، فَلَوْ عَجَّلَ لَهُمْ هَذَا لَهَلَكُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: دَعانا لِجَنْبِهِ قَالَ: مُضْطَجِعًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute