هُوَ إِمَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ، أَوْ لِتَنْزِيلِ عِلْمِهِمْ مَعَ عَدَمِ الْعَمَلِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ ابْنُ صُورِيَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ! مَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ يُعْرَفُ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، حِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَّرَهُمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ، وَمَا عُهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ: وَاللَّهِ مَا عُهِدَ إِلَيْنَا في محمد، ولا أخذ علينا شيئا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَوَكُلَّما عاهَدُوا الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: آياتٍ بَيِّناتٍ يَقُولُ: فَأَنْتَ تَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ وَتُخْبِرُهُمْ بِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَأَنْتَ عِنْدَهُمْ أُمِّيٌّ لَمْ تَقْرَأِ الْكِتَابَ، وَأَنْتَ تُخْبِرُهُمْ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى وَجْهِهِ، فَفِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ لَهُمْ وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
نَبَذَهُ قَالَ: نَقَضَهُ. وَأَخْرَجَ أيضا عن السدي في قوله: مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ قَالَ: لَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ عَارَضُوهُ بِالتَّوْرَاةِ، وَاتَّفَقَتِ التَّوْرَاةُ وَالْقُرْآنُ فَنَبَذُوا التَّوْرَاةَ وَأَخَذُوا بِكِتَابِ آصِفَ وَسِحْرِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانُوا يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُهُمْ بِكَلِمَةِ حَقٍّ كَذَبَ مَعَهَا أَلْفَ كِذْبَةٍ، فَأُشْرِبَتْهَا قُلُوبُ النَّاسِ، وَاتَّخَذُوهَا دَوَاوِينَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ، فَأَخَذَهَا فَدَفَنَهَا تَحْتَ الْكُرْسِيِّ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ قَامَ شَيْطَانٌ بِالطَّرِيقِ فَقَالَ:
أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِ سُلَيْمَانَ الَّذِي لَا كَنْزَ لِأَحَدٍ مِثْلُ كَنْزِهِ الْمُمَنَّعِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَخْرَجُوهُ فَإِذَا هُوَ سِحْرٌ، فَتَنَاسَخَتْهَا الْأُمَمُ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَ سُلَيْمَانَ فِيمَا قَالُوا مِنَ السِّحْرِ فَقَالَ: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: كَانَ آصِفُ كَاتِبَ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، وَكَانَ يَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ سُلَيْمَانَ وَيَدْفِنُهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ أَخْرَجَتْهُ الشَّيَاطِينُ، فَكَتَبُوا بَيْنَ كُلِّ سَطْرَيْنِ سِحْرًا وَكُفْرًا، وَقَالُوا: هَذَا الذي كان سليمان يعمل به، فَأَكْفَرَهُ جُهَّالُ النَّاسِ، وَسَبُّوهُ، وَوَقَفَ عُلَمَاؤُهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ جُهَّالُهُمْ يَسُبُّونَهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى محمد: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ الْآيَةَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ أَوْ يَأْتِيَ شَيْئًا مِنْ شَأْنِهِ أَعْطَى الْجَرَادَةَ- وَهِيَ امْرَأَتُهُ- خَاتَمَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَ سُلَيْمَانَ بِالَّذِي ابْتَلَاهُ بِهِ أَعْطَى الْجَرَادَةَ ذَاتَ يَوْمٍ خَاتَمَهُ، فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتَمِي، فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ، فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الشَّيَاطِينُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ، فَجَاءَ سُلَيْمَانُ فَقَالَ: هَاتِي خَاتَمِي، فَقَالَتْ: كَذَبْتَ لَسْتَ سُلَيْمَانَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ بَلَاءٌ ابْتُلِيَ بِهِ، فَانْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ، فَكَتَبَتْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ، ثُمَّ دَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سليمان، ثم أخرجوها فقرؤوها عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَ سُلَيْمَانُ يَغْلِبُ النَّاسَ بِهَذِهِ الْكُتُبِ، فَبَرِئَ النَّاسُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَأَكْفَرُوهُ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. وَأَخْرَجَ ابن جرير عنه في قوله: ما تَتْلُوا قَالَ: مَا تَتْبَعُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ في قوله: ما تَتْلُوا قَالَ:
نَرَاهُ مَا تُحْدِثُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ يَقُولُ: فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute