وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ قال: سِحْرٌ آخَرُ خَاصَمُوهُ بِهِ، فَإِنَّ كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِذَا عَلِمَتْهُ الْإِنْسُ فَصُنْعَ وَعُمِلَ بِهِ كَانَ سِحْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ قَالَ: لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ السِّحْرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: هُمَا مَلَكَانِ مِنْ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ يَعْنِي: جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: هُمَا عِلْجَانِ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْرَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى الدُّنْيَا، فَرَأَتْ بَنِي آدَمَ يَعْصُونَ، فَقَالَتْ يَا رَبِّ! مَا أَجْهَلَ هَؤُلَاءِ، مَا أَقَلَّ مَعْرِفَةِ هَؤُلَاءِ بِعَظَمَتِكَ، فَقَالَ اللَّهُ: لَوْ كُنْتُمْ فِي مَحَلَّاتِهِمْ لَعَصَيْتُمُونِي، قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ قَالَ:
فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ، ثُمَّ أُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ وَرُكِّبَتْ فِيهِمَا شَهَوَاتُ بَنِي آدَمَ، وَمُثِّلَتْ لَهُمَا امْرَأَةٌ فَمَا عُصِمَا حَتَّى وَاقَعَا الْمَعْصِيَةَ، فَقَالَ اللَّهُ: اخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا أَوْ عَذَابَ الْآخِرَةِ، فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ قَالَ مَا تَقَولُ؟ قَالَ: أَقُولُ إِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا يَنْقَطِعُ وَإِنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ لَا يَنْقَطِعُ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا، فَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَطَلَعَتِ الْحَمْرَاءُ بَعْدُ؟ فَإِذَا رَآهَا قَالَ: لَا مَرْحَبًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ سَأَلَا اللَّهَ أَنْ يُهْبِطَهُمَا إِلَى الْأَرْضِ، فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ فَكَانَا يَقْضِيَانِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا أَمْسَيَا تَكَلَّمَا بِكَلِمَاتٍ فَعَرَجَا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقَيَّضَ لَهُمَا امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ وَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِمَا الشَّهْوَةُ فَجَعَلَا يُؤَخِّرَانِهَا وَأُلْقِيَتْ فِي أَنْفُسِهِمَا، فَلَمْ يَزَالَا يَفْعَلَانِ حَتَّى وَعَدَتْهُمَا مِيعَادًا، فَأَتَتْهُمَا لِلْمِيعَادِ فَقَالَتْ: عَلِّمَانِي الْكَلِمَةَ الَّتِي تَعْرُجَانِ بِهَا، فَعَلَّمَاهَا الْكَلِمَةَ فَتَكَلَّمَتْ بِهَا فَعَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ فَمُسِخَتْ فَجُعِلَتْ كَمَا تَرَوْنَ، فَلَمَّا أَمْسَيَا تَكَلَّمَا بِالْكَلِمَةِ فَلَمْ يَعْرُجَا، فَبُعِثَ إِلَيْهِمَا: إِنْ شِئْتُمَا فَعَذَابُ الْآخِرَةِ وَإِنْ شِئْتُمَا فَعَذَابُ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ عَلَى أَنْ تَلْقَيَا اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَكُمَا وَإِنْ شَاءَ رَحَمَكُمَا، فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ: بَلْ نَخْتَارُ عَذَابَ الدُّنْيَا أَلْفَ أَلْفِ ضِعْفٍ، فَهُمَا يُعَذَّبَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِأَلْفَاظٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَرْوِي ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ.
كَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: ذَكَرَتِ الْمَلَائِكَةُ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَمَا يَأْتُونَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَقِيلَ: لَوْ كُنْتُمْ مَكَانَهُمْ لَأَتَيْتُمْ مِثْلَ مَا يَأْتُونَ، فَاخْتَارُوا مِنْكُمُ اثْنَيْنِ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَى بَنِي آدَمَ رُسُلًا فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ رَسُولٌ، انْزِلَا، لَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا، وَلَا تَزْنِيَا، وَلَا تشربا الخمر، قال كعب: فو الله مَا أَمْسَيَا مِنْ يَوْمِهِمَا الَّذِي أُهْبِطَا فِيهِ حَتَّى اسْتَعْمَلَا جَمِيعَ مَا نُهِيَا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا أَصَحُّ، يَعْنِي مِنَ الْإِسْنَادَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَبْلَهُ. وَأَخْرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute