للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي هَذِهِ الْأَلِفِ فِي «الظَّنُونَا» : فَأَثْبَتَهَا وَصْلًا وَوَقْفًا نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيِّ، وَتَمَسَّكُوا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ وَجَمِيعِ الْمَصَاحِفِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، فَإِنَّ الْأَلِفَ فِيهَا كُلِّهَا ثَابِتَةٌ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يُدْرِجَ الْقِرَاءَةَ بَعْدَهُنَّ بَلْ يَقِفُ عَلَيْهِنَّ، وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِمَا فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والجحدري، وَيَعْقُوبُ بِحَذْفِهَا فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ مَعًا، وَقَالُوا هِيَ مِنْ زِيَادَاتِ الْخَطِّ فَكُتِبَتْ كَذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي النُّطْقُ بِهَا، وَأَمَّا فِي الشِّعْرِ فَهُوَ يَجُوزُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غيره. قرأ ابن كثير، والكسائي، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِإِثْبَاتِهَا وَقْفًا وَحَذْفِهَا وَصْلًا، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ رَاجِحَةٌ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَهَذِهِ الْأَلِفُ هِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النُّحَاةُ أَلِفَ الْإِطْلَاقِ، وَالْكَلَامُ فِيهَا مَعْرُوفٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَهَكَذَا اخْتَلَفَ القراءة في الألف التي في قوله «الرسولا، والسبيلا» كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذِهِ السُّورَةِ هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ الظرف منتصب بالفعل الذي بعده، قيل: بتظنون، وَاسْتَضْعَفَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَهُوَ ظَرْفُ مَكَانٍ يُقَالُ لِلْمَكَانِ الْبَعِيدِ هُنَالِكَ كَمَا يُقَالُ لِلْمَكَانِ الْقَرِيبِ هُنَا، وَلِلْمُتَوَسِّطِ هُنَاكَ. وَقَدْ يَكُونُ ظَرْفَ زَمَانٍ: أَيْ: عِنْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَإِذَا الْأُمُورُ تَعَاظَمَتْ وَتَشَاكَلَتْ ... فَهُنَاكَ يَعْتَرِفُونَ أَيْنَ الْمَفْزَعُ

أَيْ: فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ اخْتُبِرَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْخَوْفِ، وَالْقِتَالِ، وَالْجُوعِ، وَالْحَصْرِ، وَالنِّزَالِ لِيُتَبَيَّنَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْمُنَافِقِ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً قَرَأَ الْجُمْهُورُ «زُلْزِلُوا» بِضَمِّ الزَّايِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ قَرَأَ بِكَسْرِ الْأُولَى، وَرَوَى الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ بِإِشْمَامِهَا كَسْرًا، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «زِلْزَالًا» بِكَسْرِ الزَّايِ الْأُولَى، وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِفَتْحِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَصْدَرٍ مِنَ الْمُضَاعَفِ عَلَى فَعِلَالٍ يَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ: نَحْوَ قَلْقَلْتُهُ قِلْقَالًا، وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا، وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ. قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: مَعْنَى زُلْزِلُوا: حُرِّكُوا بِالْخَوْفِ تَحْرِيكًا شَدِيدًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ إِزَاحَتُهُمْ عَنْ أَمَاكِنِهِمْ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا مَوْضِعُ الْخَنْدَقِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُمُ اضْطَرَبُوا اضْطِرَابًا مُخْتَلِفًا، فَمِنْهُمْ مَنِ اضْطَرَبَ فِي نَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اضْطَرَبَ فِي دِينِهِ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ معطوف على «إذ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ» ، وَالْمَرَضُ فِي الْقُلُوبِ هُوَ الشَّكُّ وَالرِّيبَةُ، وَالْمُرَادُ بِ الْمُنافِقُونَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبيّ وأصحابه، وب الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: أَهْلُ الشَّكِّ وَالِاضْطِرَابِ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ إِلَّا غُرُوراً أَيْ: بَاطِلًا مِنَ الْقَوْلِ، وَكَانَ الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ نَحْوَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالشَّكِّ، وَهَذَا الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ هُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِلظُّنُونِ الْمَذْكُورَةِ، أَيْ: كَانَ ظَنُّ هَؤُلَاءِ هَذَا الظَّنَّ، كَمَا كَانَ ظَنُّ الْمُؤْمِنِينَ النصر، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ

أَيْ: مِنَ الْمُنَافِقِينَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ بَنُو سَالِمٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ، وَقِيلَ: هُمْ أَوْسُ بْنُ قِبْطِيٍّ وَأَصْحَابُهُ، وَالطَّائِفَةُ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا فَوْقَهُ، وَالْقَوْلُ الَّذِي قَالَتْهُ هَذِهِ الطَّائِفَةُ هو قوله: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقامَ لَكُمْ أَيْ: لَا مَوْضِعَ إِقَامَةٍ لَكُمْ، أَوْ لَا إِقَامَةَ لَكُمْ هَاهُنَا فِي الْعَسْكَرِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَثْرِبُ اسْمُ الأرض، ومدينة النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَسُمِّيَتْ يثرب، لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>