يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى اللَّيْلِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَآيَةٌ لَهُمُ الشَّمْسُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ ابْتِدَائِيَّةً، وَالشَّمْسُ مُبْتَدَأً، وَمَا بَعْدَهَا الْخَبَرَ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ مُسْتَأْنَفًا مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْرِ آيَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. قِيلَ:
وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: تَجْرِي لِمَجْرًى مُسْتَقَرٍّ لَهَا، فَتَكُونُ اللَّامُ لِلْعِلَّةِ: أَيْ: لِأَجْلٍ مُسْتَقَرٍّ لَهَا، وَقِيلَ اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى وَقَدْ قُرِئَ بِذَلِكَ. قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَقَرِّ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَعِنْدَهُ تَسْتَقِرُّ وَلَا يَبْقَى لَهَا حَرَكَةٌ، وَقِيلَ مُسْتَقَرُّهَا هُوَ أَبْعَدُ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ وَلَا تُجَاوِزُهُ، وَقِيلَ نِهَايَةُ ارْتِفَاعِهَا فِي الصَّيْفِ وَنِهَايَةُ هُبُوطِهَا فِي الشِّتَاءِ، وَقِيلَ مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، لِأَنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى هُنَالِكَ فَتَسْجُدُ، فَتَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ لِلشَّمْسِ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَطْلَعًا تَنْزِلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَطْلَعًا ثُمَّ لَا تَنْزِلُ إِلَى الْحَوْلِ، فَهِيَ تَجْرِي فِي تِلْكَ الْمَنَازِلِ، وَهُوَ مُسْتَقَرُّهَا، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ، وَابْنُهُ الْبَاقِرُ، وَالصَّادِقُ بْنُ الْبَاقِرِ: «لا مستقرّ لها» الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَبِنَاءِ مُسْتَقَرَّ عَلَى الْفَتْحِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: لَا مُسْتَقَرٌّ بِلَا التي بمعنى ليس، ومستقرّ اسمها، ولها خَبَرُهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:
ذلِكَ إِلَى جَرْيِ الشَّمْسِ، أَيْ: ذَلِكَ الْجَرْيُ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ أَيِ: الْغَالِبُ الْقَاهِرُ الْعَلِيمِ:
أَيِ: الْمُحِيطُ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ رَاجِعَةً إِلَى الْمُسْتَقَرِّ، أَيْ: ذَلِكَ الْمُسْتَقَرُّ: تَقْدِيرُ اللَّهِ.
وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ. قَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو بِرَفْعِ الْقَمَرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاشْتِغَالِ، وَانْتِصَابُ مَنَازِلَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، لِأَنَّ قَدَّرْنَا بِمَعْنَى صَيَّرْنَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَصِبًا عَلَى الْحَالِ، أَيْ: قَدَّرْنَا سَيْرَهُ حَالَ كَوْنِهِ ذَا مَنَازِلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَصِبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ: فِي مَنَازِلَ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ النَّصْبَ فِي الْقَمَرَ، قَالَ: لِأَنَّ قَبْلَهُ فِعْلًا وَهُوَ نَسْلَخُ، وَبَعْدَهُ فِعْلًا وَهُوَ قَدَّرْنَا. قَالَ النَّحَّاسُ: أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ جَمِيعًا فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ. مِنْهُمُ الْفَرَّاءُ قَالَ: الرَّفْعُ أَعْجَبُ إِلَيَّ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ الرَّفْعُ عِنْدَهُمْ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَمَعْنَاهُ: وَآيَةٌ لَهُمُ الْقَمَرُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الرَّفْعُ أَوْلَى، لِأَنَّكَ شَغَلْتَ الْفِعْلَ عَنْهُ بِالضَّمِيرِ فَرَفَعْتَهُ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْمَنَازِلُ: هِيَ الثَّمَانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ الَّتِي يَنْزِلُ الْقَمَرُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا، فَإِذَا صَارَ الْقَمَرُ فِي آخِرِهَا عَادَ إِلَى أَوَّلِهَا، فَيَقْطَعُ الْفَلَكَ فِي ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَسْتَتِرُ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ يَطْلُعُ هِلَالًا، فَيَعُودُ فِي قطع تلك المنازل من الْفَلَكِ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْعُرْجُونُ هُوَ عُودُ الْعِذْقِ الَّذِي فِيهِ الشَّمَارِيخُ، وَهُوَ فُعْلُونٌ مِنَ الِانْعِرَاجِ، وَهُوَ الِانْعِطَافُ، أَيْ:
سَارَ فِي مَنَازِلِهِ، فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِهَا دَقَّ وَاسْتَقْوَسَ وَصَغُرَ حَتَّى صَارَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، وَعَلَى هَذَا فَالنُّونُ زَائِدَةٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْعِذْقُ الْيَابِسُ الْمُنْحَنِي مِنَ النَّخْلَةِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: الْعُرْجُونُ الَّذِي يَبْقَى فِي النَّخْلَةِ إِذَا قُطِعَتْ، وَالْقَدِيمُ: الْبَالِي. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعُرْجُونُ أَصْلُ الْعِذْقِ وَهُوَ أَصْفَرُ عَرِيضٌ، يُشَبَّهُ بِهِ الْهِلَالُ إِذَا انْحَنَى، وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّهُ أَصْلُ الْعِذْقِ الَّذِي يَعْوَجُّ وَيُقْطَعُ مِنْهُ الشَّمَارِيخُ، فَيَبْقَى عَلَى النَّخْلِ يَابِسًا، وَعَرَّجْتُهُ: ضَرَبْتُهُ بِالْعُرْجُونِ، وَعَلَى هَذَا فالنون أصلية. قرأ الجمهور كَالْعُرْجُونِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ: وَقَرَأَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَالْقَدِيمُ: الْعَتِيقُ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ الشَّمْسُ مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ لَا فِي الْمَعْرِفَةِ: أَيْ لَا يَصِحُّ وَلَا يُمْكِنْ لِلشَّمْسِ أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute