للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفِيقَةُ اسْمُ اللَّبَنِ الَّذِي يَجْتَمِعُ بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ، وَجَمْعُهَا فِيقٌ وَأَفْوَاقٌ. قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ بِضَمِّ الْفَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: الْفَوَاقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ الرَّاحَةُ، أَيْ: لَا يُفِيقُونَ فِيهَا كَمَا يُفِيقُ الْمَرِيضُ، وَالْمَغْشِيُّ عَلَيْهِ، وَبِالضَّمِّ الِانْتِظَارُ وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ لَمَّا سَمِعُوا مَا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ اسْتِهْزَاءً وَسُخْرِيَةً. وَالْقِطُّ فِي اللُّغَةِ: النَّصِيبُ، مِنَ الْقَطِّ، وَهُوَ الْقَطْعُ، وَبِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْقِطُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّكِّ: قِطٌّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ: الْقِطُّ الْكِتَابُ بِالْجَوَائِزِ، وَالْجَمْعُ الْقُطُوطُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:

وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ ... بِغِبْطَتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ

وَمَعْنَى يَأْفِقُ: يُصْلِحُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ سُؤَالُهُمْ لِرَبِّهِمْ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ وَحَظَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَقَالَ السُّدِّيُّ: سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يُمَثِّلَ لَهُمْ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ لِيَعْلَمُوا حَقِيقَةَ مَا يُوعَدُونَ بِهِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: الْمَعْنَى عَجِّلْ لَنَا أَرْزَاقَنَا، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: لَمَّا نَزَلَ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ «١» وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ «٢» قَالَتْ قُرَيْشٌ: زَعَمْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّا نُؤْتَى كِتَابَنَا بِشِمَالِنَا فَعَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا يَسْمَعُهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فَقَالَ: اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي هَذَا الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُمْ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ قُرُونِ الضَّلَالَةِ، وَأُمَمِ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَسْمَعُهُ زَادَ فِي تَسْلِيَتِهِ بِذِكْرِ قِصَّةِ دَاوُدَ وَمَا بَعْدَهَا. وَمَعْنَى اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ اذْكُرْ قِصَّتَهُ فَإِنَّكَ تَجِدُ فِيهَا مَا تَتَسَلَّى بِهِ، وَالْأَيْدُ: الْقُوَّةُ وَمِنْهُ رَجُلٌ أَيْدٌ: أَيْ قَوِيٌّ، وَتَأَيَّدَ الشَّيْءُ: تَقَوَّى وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:

وَكَانَتْ قُوَّةُ دَاوُدَ عَلَى الْعِبَادَةِ أَتَمَّ قُوَّةٍ، وَمِنْ قُوَّتِهِ مَا أخبرنا به نبينا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يُصَلِّي نِصْفَ اللَّيْلِ وَكَانَ لَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى الْعَدُوَّ، وَجُمْلَةُ إِنَّهُ أَوَّابٌ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ ذَا الْأَيْدِ، وَالْأَوَّابُ: الرَّجَّاعُ عَنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ قَوِيًّا فِي دِينِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُلَّمَا ذَكَرَ ذَنْبَهُ اسْتَغْفَرَ مِنْهُ وَتَابَ عَنْهُ، وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ المعنى الأوّل، يقال آب يؤوب: إِذَا رَجَعَ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ أَيْ: يُقَدِّسْنَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَيُنَزِّهْنَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ. وَجُمْلَةُ يُسَبِّحْنَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْبُرْهَانِ وَالْمُعْجِزَةِ، وَهُوَ تَسْبِيحُ الْجِبَالِ مَعَهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ دَاوُدُ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ ذَكَرَتِ الْجِبَالُ مَعَهُ، وَكَانَ يَفْقَهُ تَسْبِيحَ الْجِبَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أُوتِيَ دَاوُدُ مِنْ حُسْنِ الصَّوْتِ مَا يَكُونُ لَهُ فِي الْجِبَالِ دَوِيٌّ حَسَنٌ، فَهَذَا مَعْنَى تَسْبِيحِ الْجِبَالِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقِيلَ مَعْنَى «يُسَبِّحْنَ» يصلين، و «معه» متعلق بسخرنا. وَمَعْنَى «بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ» قَالَ الْكَلْبِيُّ: غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، يُقَالُ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ: إِذَا أَضَاءَتْ، وَذَلِكَ وَقْتَ الضُّحَى. وَأَمَّا شُرُوقُهَا فَطُلُوعُهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ:

شَرِقَتِ الشَّمْسُ: إِذَا طَلَعَتْ، وَأَشْرَقَتْ: إِذَا أَضَاءَتْ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً معطوف على الجبال، وانتصاب


(١) . الحاقة: ١٩.
(٢) . الحاقة: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>