للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجِيَادُ: جَمْعُ جَوَادٍ، يُقَالُ لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ شديد العدو. وقيل: إنها الطوال الْأَعْنَاقِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْجِيدِ:

وَهُوَ الْعُنُقُ، قِيلَ: كَانَتْ مِائَةَ فَرَسٍ، وَقِيلَ: كَانَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَقِيلَ: كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا، وَقِيلَ: إِنَّهَا خَرَجَتْ لَهُ مِنَ الْبَحْرِ وَكَانَتْ لَهَا أَجْنِحَةٌ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي انْتِصَابُ حُبَّ الْخَيْرِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ أَحْبَبْتُ بَعْدَ تَضْمِينِهِ مَعْنَى آثَرْتُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ آثَرْتُ حُبَّ الْخَيْرِ، وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَقَدْ آثَرَهُ. وَقِيلَ: انْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِحَذْفِ الزَّوَائِدِ وَالنَّاصِبُ لَهُ أَحْبَبْتُ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ تَشْبِيهِيٌّ، أَيْ: حُبًّا مِثْلَ حُبِّ الْخَيْرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ هُنَا: الْخَيْلُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْخَيْرُ: هُنَا الْخَيْلُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْخَيْرُ وَالْخَيْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاحِدٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَفِي الْحَدِيثِ «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِهَذَا. وَقِيلَ: إِنَّهَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِمَا فيها من المنافع. «وعن» فِي عَنْ ذِكْرِ رَبِّي بِمَعْنَى عَلَى. وَالْمَعْنَى: آثَرْتُ حُبَّ الْخَيْلِ عَلَى ذِكْرِ رَبِّي: يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يَعْنِي الشَّمْسَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ، وَلَكِنَّ الْمَقَامَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا يَجُوزُ الْإِضْمَارُ إِذَا جَرَى ذِكْرُ الشَّيْءِ أَوْ دَلِيلُ الذِّكْرِ، وَقَدْ جَرَى هُنَا الدَّلِيلُ، وَهُوَ قَوْلُهُ بِالْعَشِيِّ. وَالتَّوَارِي: الِاسْتِتَارُ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَالْحِجَابُ:

مَا يَحْجُبُهَا عَنِ الْأَبْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ وَكَعْبٌ: الْحِجَابُ جَبَلٌ أَخْضَرُ مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ وَهُوَ جَبَلُ قَافَ، وَسُمِّيَ اللَّيْلُ حِجَابًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِيهِ، وَقِيلَ: والضمير فِي قَوْلِهِ: حَتَّى تَوارَتْ لِلْخَيْلِ، أَيْ: حَتَّى تَوَارَتْ فِي الْمُسَابَقَةِ عَنِ الْأَعْيُنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: رُدُّوها عَلَيَّ مِنْ تَمَامِ قَوْلِ سُلَيْمَانَ: أَيْ أَعِيدُوا عَرْضَهَا عَلَيَّ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا شَغَلَهُ عَرْضُ الْخَيْلِ حَتَّى فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ غَضِبَ لِلَّهِ وَقَالَ رُدُّوهَا عَلَيَّ:

أَيْ: أَعِيدُوهَا. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي ردّوها يعود إِلَى الشَّمْسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لَهُ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِرْجَاعِهَا بَعْدَ مَغِيبِهَا لِأَجْلِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ هِيَ الْفَصِيحَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَحْذُوفٍ فِي الْكَلَامِ، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: فَرُدُّوهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: طَفِقَ يَفْعَلُ مِثْلُ مَا زَالَ يَفْعَلُ، وَهُوَ مِثْلُ ظَلَّ وَبَاتَ وَانْتِصَابُ مَسْحًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: يمسح مَسْحًا لِأَنَّ خَبَرَ طَفِقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِعْلًا مُضَارِعًا، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالسُّوقُ جَمْعُ سَاقٍ، وَالْأَعْنَاقُ جَمْعُ عُنُقٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ طَفِقَ يَضْرِبُ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا، يُقَالُ مَسَحَ عِلَاوَتَهُ: أَيْ ضَرَبَ عُنُقَهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَسْحُ هُنَا الْقَطْعُ، قَالَ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَقْبَلَ يَضْرِبُ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبَبَ فَوْتِ صَلَاتِهِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يُبَاحَ ذلك لسليمان ويحظر فِي هَذَا الْوَقْتِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ بِالْمَسْحِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْحُ عَلَى سُوقِهَا وَأَعْنَاقِهَا لِكَشْفِ الْغُبَارِ عَنْهَا حُبًّا لَهَا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أولى بسياق الكلام فإنه ذكر أنه آثرها عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِ حَتَّى فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ لِيُعَاقِبَ نَفْسَهُ بِإِفْسَادِ مَا أَلْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَا صَدَّهُ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَشَغَلَهُ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَاسِبُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ رَدِّهَا عَلَيْهِ هُوَ كَشْفُ الْغُبَارِ عَنْ سُوقِهَا وَأَعْنَاقِهَا بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا بِيَدِهِ أَوْ بثوبه، ولا متمسك لمن قال: إن

<<  <  ج: ص:  >  >>