الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ خَمْسَةٌ: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وعيسى ومحمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَهُمْ أَصْحَابُ الشَّرَائِعِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ:
هُمْ نُوحٌ وَهُودٌ وَإِبْرَاهِيمُ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَكُونَ رَابِعَهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ سِتَّةٌ إِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَدَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَلُوطٌ وَمُوسَى. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّ مِنْهُمْ إِسْمَاعِيلَ وَيَعْقُوبَ وَأَيُّوبَ وَلَيْسَ مِنْهُمْ يُونُسُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: هُمُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ، فَأَظْهَرُوا الْمُكَاشَفَةَ وَجَاهَدُوا الْكَفَرَةَ، وَقِيلَ: هُمْ نُجَبَاءُ الرُّسُلِ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَنُوحٌ وَدَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ وَأَيُّوبُ وَيُوسُفُ وَمُوسَى وَهَارُونُ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسُ وَإِسْمَاعِيلُ وَالْيَسَعُ وَيُونُسُ وَلُوطٌ. وَاخْتَارَ هَذَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «١» وقيل: إن الرسل كلهم أولو عزم، وقيل: هم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى نبي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ أَرْبَعَةٌ: إِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَدَاوُدُ وَعِيسَى وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ أَيْ: لَا تَسْتَعْجِلِ الْعَذَابَ يَا مُحَمَّدُ لِلْكُفَّارِ. لَمَّا أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ بِالصَّبْرِ وَنَهَاهُ عَنِ اسْتِعْجَالِ الْعَذَابِ لِقَوْمِهِ رَجَاءَ أَنْ يُؤْمِنُوا قَالَ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ أَيْ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يُشَاهِدُونَهُ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَلْبَثُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَدْرَ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْأَيَّامِ لِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنَ الْهَوْلِ الْعَظِيمِ وَالْبَلَاءِ الْمُقِيمِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بَلاغٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هَذَا الَّذِي وَعَظْتُهُمْ بِهِ بَلَاغٌ، أَوْ تِلْكَ السَّاعَةُ بَلَاغٌ، أَوْ هَذَا الْقُرْآنُ بَلَاغٌ، أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ لَهُمُ الْوَاقِعُ بَعْدَ قَوْلِهِ: «وَلَا تَسْتَعْجِلْ» أَيْ: لَهُمْ بَلَاغٌ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بَلَاغًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: بَلِّغْ بَلَاغًا، وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَزٍ بَلِّغْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ. وَقُرِئَ بَلَّغَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ فَهَلْ يُهْلَكُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ بِعَذَابِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَارِجُونَ عَنِ الطَّاعَةِ الْوَاقِعُونَ فِي مَعَاصِي اللَّهِ. قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ مُشْرِكٌ. قِيلَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ أَقْوَى آيَةٍ فِي الرَّجَاءِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: تَأْوِيلُهُ لَا يَهْلِكُ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ منيع، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ كلا هما فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هَبَطُوا: يَعْنِي الْجِنَّ عَلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَلَمَّا سَمِعُوهُ قَالُوا:
أَنْصِتُوا، قَالُوا: صَهٍ، وَكَانُوا تِسْعَةً أَحَدُهُمْ زَوْبَعَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ إِلَى قَوْلِهِ: ضَلالٍ مُبِينٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ الزُّبَيْرِ: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ قَالَ: بِنَخْلَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ أي: الْآيَةَ، قَالَ: كَانُوا تِسْعَةَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، فَجَعَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عنه نحوه قال: أتوه ببطن نخلة. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيضا قال:
(١) . الأنعام: ٩٠. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute