صُنْعِهِ، وَأَنَّهُ الْحَقِيقُ بِالْعِبَادَةِ. وَالطِّبَاقُ: الْمُتَطَابِقَةُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كُلُّ سَمَاءٍ مُطْبِقَةٌ عَلَى الْأُخْرَى كَالْقِبَابِ.
قَالَ الْحَسَنُ: خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ عَلَى سَبْعِ أَرَضِينَ، بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ، وَأَرْضٍ وَأَرْضٍ، خَلْقٌ وَأَمْرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ هذا في قوله: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ «١» وَانْتِصَابُ طِبَاقًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، تَقُولُ طَابَقَهُ مُطَابَقَةً وطباقا، أو حال بمعنى ذات طباق، فحذف ذَاتُ وَأَقَامَ طِبَاقًا مَقَامَهُ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ جَرَّ «طِبَاقًا» عَلَى النَّعْتِ. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أَيْ: مُنَوِّرًا لِوَجْهِ الْأَرْضِ، وجعل القمر في السماوات على كَوْنِهَا فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي إِحْدَاهِنَّ، فَهِيَ فِيهِنَّ، كَذَا قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ. قَالَ الْأَخْفَشُ:
كَمَا تَقُولُ أَتَانِي بَنُو تَمِيمٍ، وَالْمُرَادُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: فِيهِنَّ بِمَعْنَى مَعَهُنَّ، أَيْ: خَلَقَ الْقَمَرَ وَالشَّمْسَ مَعَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَهَلْ يَنْعَمَنَّ مَنْ كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ ... ثَلَاثِينَ شَهْرًا فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالِ
أَيْ: مَعَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً أَيْ: كَالْمِصْبَاحِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ لِيَتَوَصَّلُوا بِذَلِكَ إِلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَعَاشِ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً يَعْنِي آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، وَالْمَعْنَى: أَنْشَأَكُمْ مِنْهَا إِنْشَاءً، فَاسْتُعِيرَ الْإِنْبَاتُ للإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكوين، و «نباتا» إِمَّا مَصْدَرٌ لِأَنْبَتَ عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ، أَوْ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَنَبَتُّمْ نَبَاتًا. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَالزَّجَّاجُ: هُوَ مَصْدَرٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ مَعْنَى أَنْبَتَكُمْ: جَعَلَكُمْ تَنْبُتُونَ نَبَاتًا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَ لَكُمْ من الأرض النبات، فنباتا عَلَى هَذَا مَفْعُولٌ بِهِ. قَالَ ابْنُ بَحْرٍ: أَنْبَتَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِالْكِبَرِ بَعْدَ الصِّغَرِ وَبِالطُّولِ بَعْدَ الْقِصَرِ. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها أَيْ فِي الْأَرْضِ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً يَعْنِي يُخْرِجُكُمْ مِنْهَا بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً أَيْ: فَرَشَهَا وَبَسَطَهَا لَكُمْ، تَتَقَلَّبُونَ عَلَيْهَا تَقَلُّبَكُمْ عَلَى بُسُطِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً أَيْ: طُرُقًا وَاسِعَةً، وَالْفِجَاجُ: جَمْعُ فَجٍّ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: الْفَجُّ: الْمَسْلَكُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَقَدْ مَضَى تَحْقِيقُ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ مُسْتَوْفًى.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ قَالَ: لِئَلَّا يَسْمَعُوا مَا يَقُولُ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ قَالَ: لِيَتَنَكَّرُوا فَلَا يَعْرِفُهُمْ وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً قَالَ: تَرَكُوا التَّوْبَةَ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ قَالَ: غَطَّوْا وُجُوهَهُمْ لِئَلَّا يَرَوْا نُوحًا وَلَا يَسْمَعُوا كَلَامَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً قَالَ: لَا تَعْلَمُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَيْضًا وَقاراً قَالَ عَظَمَةً. وَفِي قَوْلِهِ: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً قَالَ: نُطْفَةً ثُمَّ علقة ثم مضغة. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: لا تخافون لله عظمة. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: لا
(١) . الطلاق: ١٢. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute