للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِالْأَرَاجِيفِ يَا ابْنَ اللُّؤْمِ تُوعِدُنِي ... وَفِي الْأَرَاجِيفِ خِلْتُ اللُّؤْمَ وَالْخَوَرَا

وَمَحَلُّ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ مِنَ الرَّاجِفَةِ، وَالْمَعْنَى: لَتُبْعَثُنَّ يَوْمَ النَّفْخَةِ الْأُولَى حَالَ كَوْنِ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ تَابِعَةً لَهَا قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ قُلُوبٌ مُبْتَدَأٌ، وَيَوْمَئِذٍ مَنْصُوبٌ بِوَاجِفَةٍ، وَوَاجِفَةٌ صِفَةُ قُلُوبٍ، وَجُمْلَةُ أَبْصارُها خاشِعَةٌ خبر قلوب، والواجفة: الْمُضْطَرِبَةُ الْقَلِقَةُ لِمَا عَايَنَتْ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: أَيْ خَائِفَةٌ وَجِلَةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: زَائِلَةٌ عَنْ أَمَاكِنِهَا، نَظِيرَةُ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ «١» وَقَالَ الْمُؤَرَّجُ: قَلِقَةٌ مُسْتَوْفِزَةٌ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مُضْطَرِبَةٌ، يُقَالُ: وَجَفَ الْقَلْبُ يَجِفُ وَجِيفًا إِذَا خَفَقَ، كَمَا يُقَالُ: وَجَبَ يَجِبُ وَجِيبًا، وَالْإِيجَافُ: السَّيْرُ السَّرِيعُ، فَأَصْلُ الْوَجِيفِ اضْطِرَابُ الْقَلْبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْخُطَيْمِ:

إِنَّ بَنِي جَحْجَبِي وَقَوْمَهُمْ ... أَكْبَادُنَا مِنْ وَرَائِهِمْ تَجِفُ

أَبْصارُها خاشِعَةٌ أَيْ: أَبْصَارُ أَصْحَابِهَا، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَالْخَاشِعَةُ: الذَّلِيلَةُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَظْهَرُ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَقَوْلِهِ: خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ «٢» قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ أَبْصَارَ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ السِّيَاقَ في منكري البعث يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ هَذَا حِكَايَةٌ لِمَا يَقُولُهُ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ إِذَا قِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ، أَيْ: أَنُرَدُّ إِلَى أَوَّلِ حَالِنَا وَابْتِدَاءِ أَمْرِنَا فَنَصِيرُ أَحْيَاءً بَعْدَ مَوْتِنَا، يُقَالُ: رَجَعَ فُلَانٌ فِي حَافِرَتِهِ، أَيْ: رَجَعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وَالْحَافِرَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ اسْمٌ لِأَوَّلِ الشَّيْءِ وَابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: رَجَعَ فُلَانٌ عَلَى حَافِرَتِهِ، أَيْ: عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ، وَيُقَالُ: اقْتَتَلَ الْقَوْمُ عِنْدَ الْحَافِرَةِ، أَيْ: عِنْدِ أَوَّلِ مَا الْتَقَوْا وَسُمِّيَتِ الطَّرِيقُ الَّتِي جَاءَ مِنْهَا حَافِرَةً لِتَأْثِيرِهِ فِيهَا بِمَشْيِهِ فِيهَا فَهِيَ حَافِرَةٌ بِمَعْنَى مَحْفُورَةٌ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَحَافِرَةً عَلَى صَلَعٍ وَشَيْبٍ ... مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ سَفَهٍ وَعَارِ

أَيْ: أَأَرْجِعُ إِلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فِي شَبَابِي مِنَ الْغَزَلِ بَعْدَ الشَّيْبِ وَالصَّلَعِ. وَقِيلَ: الْحَافِرَةُ: الْعَاجِلَةُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّا لَمَرْدُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا، وَقِيلَ: الْحَافِرَةُ: الْأَرْضُ الَّتِي تُحْفَرُ فِيهَا قُبُورُهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

آلَيْتُ لَا أَنْسَاكُمُ فَاعْلَمُوا ... حَتَّى يُرَدَّ النَّاسُ فِي الْحَافِرَةْ

وَالْمَعْنَى: إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي قُبُورِنَا أَحْيَاءً، كَذَا قَالَ الْخَلِيلُ وَالْفَرَّاءُ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْحَافِرَةُ:

النَّارُ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فِي الْحافِرَةِ وَقَرَأَ أبو حيوة «في الحفرة» . أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً أَيْ: بَالِيَةً مُتَفَتِّتَةً. يُقَالُ: نَخِرَ الْعَظْمُ بِالْكَسْرِ إِذَا بَلِيَ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِإِنْكَارِ الْبَعْثِ، أَيْ: كَيْفَ نُرَدُّ أَحْيَاءً وَنُبْعَثُ إِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً، وَالْعَامِلُ فِي «إِذَا» مضمر يدلّ عليه مردودون، أي: أإذا كُنَّا عِظَامًا بَالِيَةً نُرَدُّ وَنُبْعَثُ مَعَ كَوْنِهَا أَبْعَدَ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَاةِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: نَخِرَةً


(١) . غافر: ١٨.
(٢) . الشورى: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>