للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ أَكْلًا لَمًّا أَيْ: أَكْلًا شَدِيدًا، وَقِيلَ مَعْنَى لَمًّا: جَمْعًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: لَمَمْتُ الطَّعَامَ إِذَا أَكَلْتَهُ جَمِيعًا. قَالَ الْحَسَنُ: يَأْكُلُ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ الْيَتِيمِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَأَصْلُ اللَّمِّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْجَمْعُ، يُقَالُ: لَمَمْتُ الشَّيْءَ أَلُمُّهُ لَمًّا: جَمَعْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ:

لَمَّ اللَّهُ شَعْثَهُ: أَيْ جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أُمُورِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

وَلَسْتَ بِمُسْتَبِقٍ أَخًا لَا تَلُمَّهُ ... عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ

قَالَ اللَّيْثُ: اللَّمُّ: الْجَمْعُ الشَّدِيدُ، وَمِنْهُ حجر ملموم، وكتيبة ملمومة، وللآكل: يَلُمُّ الثَّرِيدَ فَيَجْمَعُهُ ثُمَّ يَأْكُلُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسِفُّهُ سَفًّا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ إِذَا أَكَلَ مَالَهُ أَلَمَّ بِمَالِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ وَلَا يُفَكِّرُ فِيمَا أَكَلَ مِنْ خَبِيثٍ وَطَيِّبٍ وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا أَيْ: حُبًّا كَثِيرًا، وَالْجَمُّ: الْكَثِيرُ، يُقَالُ: جَمَّ الْمَاءُ فِي الْحَوْضِ إِذَا كثر واجتمع، والجملة: الْمَكَانُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ. ثُمَّ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ الرَّدْعَ لَهُمْ وَالزَّجْرَ فَقَالَ كَلَّا أَيْ: مَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُكُمْ. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ سُبْحَانَهُ فَقَالَ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَفِيهِ وَعِيدٌ لَهُمْ بَعْدَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ، وَالدَّكُّ: الْكَسْرُ وَالدَّقُّ، وَالْمَعْنَى هُنَا: أَنَّهَا زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ تَحْرِيكًا بَعْدَ تَحْرِيكٍ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: دُكَّتْ جِبَالُهَا حَتَّى اسْتَوَتْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: تَزَلْزَلَتْ فَدَكَّ بَعْضُهَا بَعْضًا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَيْ: بُسِطَتْ وَذَهَبَ ارْتِفَاعُهَا. قَالَ: وَالدَّكُّ: حَطُّ الْمُرْتَفِعِ بِالْبَسْطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الدَّكِّ فِي سورة الأعراف، وفي سورة الحاقة. وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا دُكَّتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَانْتِصَابُ «دَكًّا» الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِلْفِعْلِ، و «دكا» الثَّانِي تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ، كَذَا قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهَا مَدْكُوكَةً مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمَا يُقَالُ: عَلَّمْتُهُ الْحِسَابَ بَابًا بَابًا، وَعَلَّمْتُهُ الْخَطَّ حَرْفًا حَرْفًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ كَرَّرَ الدَّكَّ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا. وَجاءَ رَبُّكَ أَيْ: جَاءَ أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ وَظَهَرَتْ آيَاتُهُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنَّهَا زَالَتِ الشُّبَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَظَهَرَتِ المعارف، وصارت ضرورية، كما يزول الشكّ عن مَجِيءِ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ يُشَكُّ فِيهِ، وَقِيلَ: جاء قهر ربّك وسلطانه وانفراده وَالتَّدْبِيرِ مِنْ دُونِ أَنْ يَجْعَلَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا انْتِصَابُ «صَفًّا صَفًّا» عَلَى الْحَالِ، أَيْ:

مُصْطَفِّينَ، أَوْ ذَوِي صُفُوفٍ. قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ صفوف الملائكة، وأهل كلّ سماء صفّ كلّ عَلَى حِدَةٍ.

قَالَ الضَّحَّاكُ: أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ إِذَا نَزَلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانُوا صَفًّا مُحِيطِينَ بِالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا، فَيَكُونُونَ سَبْعَةَ صُفُوفٍ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ «يَوْمَئِذٍ» مَنْصُوبٌ بِجِيءَ، وَالْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ بِجَهَنَّمَ، وَجَوَّزَ مَكِّيٌّ أَنْ يَكُونَ يَوْمَئِذٍ هُوَ الْقَائِمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَلَيْسَ بِذَاكَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: جِيءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَزْمُومَةً بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلِكٍ يَجُرُّونَهَا حَتَّى تَنْصَبَّ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ، فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ يقول: يا ربّ نفسي نفسي. وسيأتي الّذي نقله هذا عَنْ جَمَاعَةِ الْمُفَسِّرِينَ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ «يَوْمَئِذٍ» هَذَا بَدَلٌ مِنْ يَوْمَئِذٍ الَّذِي قَبْلَهُ، أَيْ: يَوْمَ جِيءَ بِجَهَنَّمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ، أَيْ: يَتَّعِظُ وَيَذْكُرُ مَا فَرَّطَ مِنْهُ وَيَنْدَمُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ «يَوْمَئِذٍ» الثَّانِي بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ «إِذَا دُكَّتْ» وَالْعَامِلُ فِيهِمَا هُوَ قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>