لَهُمْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ. قَوْلُهُ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمُحْصَنَاتِ هُنَا، فَقِيلَ:
الْعَفَائِفُ، وَقِيلَ: الْحَرَائِرُ. وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَبِهِ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ. وَالْمُحْصَنَاتُ مُبْتَدَأٌ، وَمِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَصْفٌ لَهُ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ حِلٌّ لَكُمْ، وَذَكَرَهُنَّ هُنَا تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْحَرَائِرُ دُونَ الْإِمَاءِ، هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَعُمُّ كُلَّ كِتَابِيَّةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:
لَا تَحِلُّ النَّصْرَانِيَّةُ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ: رَبُّهَا عِيسَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الْآيَةَ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُخَصِّصَةٌ لِلْكِتَابِيَّاتِ مِنْ عُمُومِ الْمُشْرِكَاتِ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ حَرَّمَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ حَمَلَهَا عَلَى الْحَرَائِرِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَالَفَهُمْ مَنْ قَالَ:
إِنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ أَوْ تَخُصُّ الْعَفَائِفَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ الْحُرَّةُ الْعَفِيفَةُ مِنَ الْكِتَابِيَّاتِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَيَدْخُلُ تَحْتَهَا الْحُرَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِعَفِيفَةٍ وَالْأَمَةُ الْعَفِيفَةُ، عَلَى قَوْلِ من يقول: إنه يجوز استعمال المشترك فِي كِلَا مَعْنَيَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ فَإِنْ حَمَلَ الْمُحْصَنَاتِ هُنَا عَلَى الْحَرَائِرِ لَمْ يَقُلْ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَفِيفَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَيَقُولُ: بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْعَفِيفَةِ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَإِنْ حَمَلَ الْمُحْصَنَاتُ هُنَا عَلَى الْعَفَائِفِ قَالَ: بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْعَفِيفَةِ وَالْأَمَةِ الْعَفِيفَةِ دُونَ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أَيْ مُهُورَهُنَّ، وَجَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ: أَيْ فَهُنَّ حَلَالٌ، أَوْ هِيَ ظَرْفٌ لِخَبَرِ الْمُحْصَنَاتِ الْمُقَدَّرِ: أَيْ حِلٌّ لَكُمْ. قَوْلُهُ: مُحْصِنِينَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ: أَيْ حَالَ كَوْنِكُمْ أَعِفَّاءَ بِالنِّكَاحِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: غَيْرَ مُسافِحِينَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُحْصِنِينَ أَوْ صِفَةٌ لِمُحْصِنِينَ، وَالْمَعْنَى: غَيْرُ مُجَاهِرِينَ بِالزِّنَا. قَوْلُهُ: وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرَ مُسافِحِينَ أَوْ عَلَى مُسافِحِينَ. وَلا مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْخِدْنُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. أَيْ لَمْ يَتَّخِذُوا مَعْشُوقَاتٍ، فَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ فِي الرِّجَالِ الْعِفَّةَ وَعَدَمَ الْمُجَاهَرَةِ بِالزِّنَا وَعَدَمَ اتِّخَاذِ أَخْدَانٍ، كَمَا شَرَطَ فِي النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ مُحْصَنَاتٍ.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ أَيْ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ أَيْ بَطَلَ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ وَقَرَأَ ابن السّميقع فَقَدْ حَبَطَ بِفَتْحِ الْبَاءِ اه.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فِي النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَدِيَّ ابن حَاتِمٍ وَزَيْدَ بْنَ الْمُهَلْهِلِ الطَّائِيَّيْنِ سَأَلَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ، فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ الطَّائِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute