اخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَثْبَتَ الْمُحَارِبَةَ فِي الْمِصْرِ مَرَّةً وَنَفَى ذَلِكَ مَرَّةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ: إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا من الأرض. وروي عن ابن مِجْلَزٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَعَطَاءٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَكَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَتَلَ قُتِلَ وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ فَالسُّلْطَانُ مُخَيَّرٌ فِيهِ: إِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:
الْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَحُسِمَتْ، ثُمَّ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَحُسِمَتْ وَخُلِّيَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ زَادَتْ عَلَى السَّرِقَةِ بِالْحَرَابَةِ وَإِذَا قَتَلَ قُتِلَ وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ قُتِلَ وَصُلِبَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ قَتَلَ قُتِلَ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا أَعْلَمُ لِهَذِهِ التَّفَاصِيلِ دَلِيلًا لَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ إِلَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَتَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُولَئِكَ النَّفَرِ الْعُرَنِيِّينَ وَهُمْ مِنْ بَجِيلَةَ، قَالَ أَنَسٌ: «فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، وَأَخَافُوا السَّبِيلَ، وَأَصَابُوا الْفَرْجَ الْحَرَامَ قَالَ أَنَسٌ: فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَنِ الْقَضَاءِ فِيمَنْ حَارَبَ، فَقَالَ: مَنْ سَرَقَ وَأَخَافَ الطَّرِيقَ فَاقْطَعْ يَدَهُ لِسَرِقَتِهِ ورجله بإخافته، وَمَنْ قَتَلَ فَاقْتُلْهُ وَمَنْ قَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَاسْتَحَلَّ الْفَرْجَ الْحَرَامَ فَاصْلُبْهُ» . وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ الشَّدِيدَةِ لَا يُدْرَى كَيْفَ صِحَّتُهُ؟ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذكره لشيء من هذه التَّفَاصِيلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا لَفْظُهُ: وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ إِنْ صَحَّ سَنَدُهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً هُوَ إِمَّا مُنْتَصِبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ عَلَى الْحَالِ بِالتَّأْوِيلِ: أَيْ مُفْسِدِينَ. قَوْلُهُ: أَوْ يُصَلَّبُوا ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يُصَلَّبُونَ أَحْيَاءً حَتَّى يَمُوتُوا، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الَّتِي خَيَّرَ اللَّهُ بَيْنَهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: الصَّلْبُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْلَبَ قَبْلَ الْقَتْلِ فَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ لِعِبَادِهِ. قَوْلُهُ: أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ظَاهِرُهُ قَطْعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَقْطُوعَةُ مِنَ الْيَدَيْنِ هِيَ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى، وَكَذَلِكَ الرِّجْلَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ خلاف إِمَّا يُمْنَى الْيَدَيْنِ مَعَ يُسْرَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ يُسْرَى الْيَدَيْنِ مَعَ يُمْنَى الرِّجْلَيْنِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذَا قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى فَقَطْ.
قَوْلُهُ: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ أَنْ يُطْلَبَ بِالْخَيْلِ وَالرَّجُلِ حَتَّى يُؤْخَذَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ هَرَبًا. وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَمَالِكٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالزُّهْرِيِّ، حَكَاهُ الرُّمَّانِيُّ فِي كتابه عنهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute