للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحد، وترسل إلى أَبي عنان فلما قُتل أَبو الحجاج سنة خمس وخمسين وقام بعده ابنه محمد أَفرد ابن الخطيب بوزارته واتّخذ لكتابته غيره، ثم استمد أَبا عنان وبعثه رسولًا في الوقعة الكائنة بين الفرنج فمدح أَبا عنان فاهتزَّ له وأَحسن إليه، فلما تسَلْطن إسماعيل بن أَبي الحجاج وخَلع محمد بن أَخي الحجاج أَخاه يحيى الوزير أَرسل أَبو سالم بن أَبي الحسن يشفع في ابن الخطيب فأَفرج عنه، وقدم صحبة سلطانه محمد إلى فاس، فأَقبل عليه أَبو سالم وقد مدحه فأَجزل صلته، ثم سار إلى مراكش فأَتحفه عُمَّالُها بما يليق به، ثم شفع له أَبو سالم إلى ابن الأَحمر أَن يرد عليه ضياعه فشفعه فيه، فلما عاد السلطان محمد إلى ملكه لحق به ابن الخطيب فأَعاده إلى مكانه فلم يزل به حتى وقع بينه وبين عثمان بن يحيى بن عمر شيخ الغزاة، فلم يزل ذلك حتى نكب عثمان في شهر رمضان سنة أَربع وسبعين ونفاه، فانفرد ابن الخطيب بتدبير المملكة، وأقبل الملك على اللهو فحسده أَهل الدولة فبلغه ذلك وأَنهم سعوا به إلى السلطان ليهلكه، فسعى في الخلاص، وأَرسل صاحب فاس المريني في اللحاق به، وخرج من غرناطة على أَنه يتفقّد الثغور (١) والعرب حتى حاذى جبل الفتح فركب إلى سبتة ودخل فاس سنة ثلاث وسبعين، فبالغ المريني في إكرامه وأَجرى له الرواتب، فاستقرت قدمه واستكثر من شرى الضياع والبساتين، فقام أَعداؤه بالأَندلس وأثبتوا عليه عند القاضي كلمات منسوبة إليه تقتضي الزندقة فأَثبت ذلك وحكم بزندقته، وأَرسل بها إلى صاحب فاس ليعمل بها ويقتله فامتنع وقال: "هلّا فعلتم ذلك وهو عندكم؟، وأَما أَنا فلا يصل إليه أَحد ما كان في جواري". فلما مات السلطان اختص ابن الخطيب بعده بالوزير أَبي بكر بن غازي فلم يزل مكرما إلى أَن تسلطن أَبو العباس فأَغراه عليه سليمان بن داود بن أعراب كبير بني عسكر - وكان من أَكبر أَعدائه - حتى أَجابه أَبو العباس إلى القبض على ابن الخطيب فسُجن، فلما بلغ ذلك ابن الأَحمر أَرسل وزيره أَبا عبد الله بن زَبْرَكْ (٢) وادعى على ابن الخطيب في مجلس السلطان بالكلمات التي ثبتت عليه وأُقيمت البينة فعزِّر بالكلام ثم بالعقاب ثم أعيد إلى السجن، واشتوَروا في قتله فأَفتى بعض الفقهاء بقتله، فطُرق عليه السجن ليْلا وأُخرج من الغد ودُفن، فلما كان من الغد وجد على شفير قبره مطروحًا وحوله أَحطاب كثيرة فأُضْرِمت فيها النار فاحترق شعره واسودت بشرته ثم أُعيد إلى حفرته.


(١) في ع "الثغور الغربية" وفي ك "يتفقد العربية".
(٢) الضبط من ع.