للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢١ - محمد بن أَحمد أَبو معالى الحَبْيّ (١) الحنبلي شمسُ الدين، وُلد سنة خمس وأَربعين وسبعمائة، وسمع من عمر بن حسن بن أَمِيلة (٢) والعماد بن كَثِير وغيرهما، وتفقه بابن قاضى الجبل وابن رجب وغيرهما، وتعانى الآداب فمهر، وكان فاضلًا مستحضرا مشاركا في الفنون، وقدم إلى القاهرة في رمضان سنة أربع وثماني مائة وقد حدّث ببعض مسموعاته، وقصّ على الناس في عدّة أماكن وناب في الحكم.

وكان يحبّ جمْعُ المال مع مكارم الأَخلاق وحُسن الخلق وطلاقة الوجه والخشوع التام ولاسيّما عند قراءة الحديث، سمعْنَا بقراءته "صحيح البخاري" في عدة سنين بالقلعة، وسمعْنا من مباحثه وفوائده ونوادره وما جرياته، وكان حسنَ القرءاة يُطرِب إِذا قرأَ، ويُحسِن عمل المواعيد، وكان قد صحب العماد بن كثير فكان ينقل عنه الفوائد الجليلة، وناب في الحكم في بعض المجالس، وكان لا يتصوّن (٣).

وولى بالقاهرة مشيخة الغرابيَّة بجوار جامع بشتَك ثم مشيخة الخرّوبية بالجيزة وبها مات فجأَة فإنه اجتمع بي في يوم الثلاثاء سادس عشرى (٤) المحرم مهنئا لي بالقدوم من الحج ورجع إلى الجيزة في آخر نهار الأَربعاء فمات ليلة الخميس وقت العشاء ثامن عشرى المحرم وقد أَكمل السبعين.

قرأْت في تاريخ ابن حجيّ في حوادث سنة اثنتين وثمانمائة: "في ذي القعدة وقع حريق بدمشق فانتهى إلى طبقة بالبراقية (٥) وهى بيد الشيخ شمس الدين الحبتي ولم يكن يسكنها فوجدوا بها جرارًا ملآى خمرًا، فكثرت الشناعة عليه عند تنم النائب"؛ قلت (٦): وكنتُ في تلك الأَيام بدمشق وبلغى أَنهم شنعوا عليه وأَنه بَريءٌ من ذلك، وبعضهم


(١) ضبطته الشذرات ٧/ ١٧١ بفتح الحاء وسكون الياء ثم تاء وقالت: نسبة إلى حبنة بنت ملك بن عمرو بن عوفى، وقيل إنه يسمى أيضا "الحمى" وقال السخاوى في الضوء اللامع ٧/ ٢٣٤ ورأيت من أيدل الموحدة ميما وقال إنه الصواب".
(٢) في بعض النسخ "عمر بن حنبل وابن أميله"، والصواب ما أثبتناه بالمتن، انظر الدرر الكامنة ٣/ ٢٩٩٧.
(٣) راجع في حوادث ٨٠٢ حريق دمشق وعثورهم على جرار الخمر عنده.
(٤) يطابق هذا التاريخ الوارد في التوفيقات الإلهامية ص ٤١٣.
(٥) وكانت عند جامع تنكز، انظر في ذلك الدارس في تاريخ المدارس ٢/ ١٨٨، ص ١٩ - ٢٠.
(٦) الضمير هنا عائد على ابن حجر نفسه.