يا مولانا السلطان! إن من كان أوله كسر يكون في آخره جبر؛ ولما بلغ قراقر الإسكندرية ما جرى على الحمالات رجع أميرهم فأقام بعا تحت العساكر، فلما كان مستهل شعبان هجم عليهم غراب وقرقوران مملوءة من المقاتلة جهزهم صاحب قبرس ليأخذوا من يجدونه بساحل الإسكندرية لعلمه بمسير القراقز الخمس إلى جهته بإعلام من بالبلد من الفرنج له، فدخلوا وهم يظنون أن الخمس قراقب في رشيد، فواجهوهم فأرشقوهم رمياً بالنشاب إلى أن هزموهم فاتفق أنهم خرجوا مقلعين فوافتهم أغربة أرسلها إليهم من برشيد من الجند، فلم يزل الجند مجتمعين والمراكب توافيهم من كل جهة إلى الرابع والعشرين من شعبان، فساروا مقلعين حتى وصلوا إلى اللمسون فوجدوا الحصن الذي كانوا أحرقوه قد عمر وشحن بالمقاتلة فأحاطوا به في السابع والعشرين، وصعد يشبك قرقش وهو من الفرسان المعدودين وقد ولي إمرة الموكب الأول في الحج بعد ذلك في سنة ٤٤، فصعد هو ومن معه على سلم من خشب وتبعهم خلق كثير، فهرب الفرنج الذين في الحصن بعد أن كانوا أوقدوا قدور الزفت تغلي ناراً ليصبوها على من يصعد إليهم من المسلمين، فهزمهم الله تعالى وملكوا البرج الأول؛ وأحاط بعض المسلمين بالأسكتية وهي قرية من قبرس خارجة عن حكم جابوش نظير الماغوصة وهي مع البنادقه، فطلبوا من المسلين الأمان فأمنوهم، فحملوا إليهم الهدايا والضيافات، فسألوهم عن جابوش فقالوا إنه مستعد في خمسة آلاف فارس وسبعة آلاف راجل، فراسلوه بأن يدخل تحت الطاعة ليؤمنوه على نفسه وجنده وبلده وإلا مشوا عليه وخربوا قصره وأسروه وقتلوه، فلما بلغته الرسالة أخذته حمية الجاهلية فقتل الرسول وأحرقه، فبلغ المسلمين الخبر في مستهل رمضان فانقسموا قسمين النصف مع المحمودي في البر والنصف مع الجكمي في البحر، فلم يزل أهل البر سائرين حتى وصلوا موضع الكنيسة فوجدوها خراباً والبئر الذي بها قد هدم، فحفروا حوله فظهر الماء فشربوا بعد أن كانوا عطشوا. ثم ساروا في جبال وتلال وهم صوام والحر شديد فنزلوا للقائلة في ظلال الشجر وإذا بصارخ صرخ: جاءكم العدو! فثاروا وركبوا وحصلت رجفة عظيمة، وكان جابوش لما قتل الرسول ركب في عساكره بعد عرضهم، وجهز قراقرة في البحر للإحاطة بمن في البحر من المسلمين،