للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥ - جَانِبك الدويدار الأشرفى، كان (١) اشتراه وهو صغير ثم رقاه كما تقدم في الحوادث، وأمره طبلخاناه سنة ستٍّ وعشرين، وأرسل إلى الشام لتقليد النواب فأفاد مالًا عظيمًا، وتقرّر أولًا خازندارًا ثم تقرّر دويدارًا ثانيًا بعد سفر قُرْقُمَاس إلى الحجاز وصارت غالب الأمور منوطةً به وليس للدويدار الكبير معه كلام، وتمكَّن من سيده غاية التمكين حتى صار ما يُعْمل برأيه مستمرًا وما يُعمل بغير رأيه يُنْقَض عن قرب.

وشرع في عمارة المدرسة التي خارج (٢) باب زويلة، وابتدأ به مرضه بالمغص ثم انتقل إلى القولنج وواظبه الأطباء بالأدوية والحقن، ثم اشتدّ به الأمر فعاده أهل الدولة كما هم من الخدمة السلطانية فحُجِبُوا دونه، فبلغ السلطان فنزل إليه العصر فعاده واغتمَّ له وأمر بنقله إلى القلعة وصار يباشر تمريضه بنفسه مع ما شاع بين الناس أنه سُقِي (٣) السّم، وعُولج بكل علاج إلى أن تماثل ودخل الحمام ونزل إلى داره فانتكس أيضا لأنه ركب إلى الصيد بالجيزة فرجع موعوكًا وتمادى به الأمر حتى مات، فنزل السلطان إلى داره وحضر غُسلَه وركب في جنازته وصلى عليه تحت القلعة.

وكان شابًّا حادَّ الخلق عارفًا بالأمور الدنيوية، كثير البر للفقراء، شديدًا على من يتعاني الظلم من أهل الدولة، وهمَّ الأشرفُ مرارًا أن يؤمره تقدمةً فلم يُقدر ذلك، وكان هو في نفسه وحاله أكبر من المقدمين.

مات في ليلة الخميس سابع عشري شهر ربيع الأول عن خمس وعشرين سنة تقريبًا، وماتت زوجته بعده بستَّة أيام فيقال إنه كان جامعها لما أفاق من مرضه قبل النكسة فأصابها ما كان به من الداء، ونقل السلطان أولاده عنده وبنى لهم "خان سرور" بالقرب بين القصرين وكان قد استهدم فأخذه بالربع وعمره عمارةً متقنةً بحيث صار الذي يتحصّل من ربعه يفي لأهل الربع بالقدر الذي يتحصّل لهم من جميعه.


(١) أي الأشرف برسباى والنسبة إليه، ويعرف أيضا بالدويدار الثاني.
(٢) أشار النجوم الزاهرة ٦/ ٨٠١ إلى أنها بخط القربيين خارج باب زويلة على الشارع.
(٣) يرى بعض المؤرخين أن الناس اتهموا السلطان برسباي بسمه.