للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأت في كتاب صاحبنا شهاب الدين الجَرْهِى (١) أنه تلف له كتبٌ كثيرة من السيل، وعقب هذا السيل وباء.

وفى يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة توعك السّلطان فاستمرّ بالقولنج خمسة أيام ثم تماثل، وعُدتُه فوجدتُه ملما به، ثم عدته في أول يوم شهر رجب فوجدته تماثل، ثم صلى الجمعة ثانى شهر رجب، وكانوا أرجفوا بموته وتحزَّبوا أحزابًا ووجل الناس من إثارة الفتنة.

* * *

وفى أوائل شعبان قرئ البخارى فى القلعة على العادة، وحضر شخص عجمى (٢) يقال له شمس الدين محمد الهروى، ويقال له ابن الحلاج [وهو]، كهلُ من أبناء الأربعين، ادّعى أنه يعرف مائةً وعشرين علما فأظهر بأوًا عظيمًا وشرع يسأل أسئلةً مشكلة، وظهرت منه أمور تدلّ على إعجابٍ زائد، فآل أمره إلى أن وقعت منه أُمور أُنكرت من جهة المعتَقَد فزُجر، فخذل بعد ذلك وصار كآحادٍ الطَّلبة، واعتذر بعد ذلك أن بعض (٣) الناس أغراه بذلك ظنًا منه أن ينتقص من قدر كاتبه، فأبى الله ذلك وحاق المكر السيئ بأهله، ولله الحمد.

وفيه فى الجملة ذكاء، وعلى ذهنه فوائدُ كثيرة، وعنده استعدادٌ ويعرف الطبَّ، وعُدَّت عليه سقطاتٌ، وبحث مع سعد الدين بن الديرى فلم يُجِبهُ وقُرِّر من جملة المشايخ ورُتب له ما يكفيه.

* * *


(١) ضبط السخاوى هذا الاسم بصورتين مختلفتين في الضوء اللامع إحداهما في ج ٤ ص ١٨ وهى بكسر الجيم والراء، وثانيتهما بكسر الجيم ثم فتح الراء فى ج ١١ ص ١٩٦، ولكنه ذكر أن النطق الأول هو الجارى على الألسنة كما ذكره له العلاء بن السيد عفيف الدين، وقال إن بعضهم قد يقول فيه "الجرهرينى".
(٢) أمامها في هامش هـ "بخط البقاعى": "كان شيخنا يقاسي من هذا والعلاء الرومى وأمثالهما من العجم بواسطة إغراء البدر العيني لهم وتحسينه السلطان ذلك و .... أن شيخنا مزجى البضاعة في العلم جدا وناله منه مالا يوصف من الأذى، ذلك كله بواسطة تمكن العيني بقراءة التاريخ عند السلطان وقلة بضاعة شيخنا في المعقولات التي يتعاناها العجم ويصرحون بأنها هي العلوم وما وراءها ضياع الزمان، ويمنى لهم ذاك عند الأتراك الذين هم الحكام بواسطة جهلهم وميلهم إليهم بواسطة اللسان. وكان شيخنا لا يستعين على مثل هذا، إلا بالقاياتى والونائى والانباسى مع قلة إنصافه لهم فى حياتهم وبعد وفاتهم، أجمعين".
(٣) أمامها في هامش "بخط البقاعي: "هو البدر العينى".