للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المذكور بعد أسبوع، واستقر مقدّما على عادته، بعد أن خُلع عليه في ثالث عشره، وواجه أمراء العسكر السلطانَ في السبت سادسه، فخلع عليهم وهرع الناسُ للسلام عليهم.

وفي يوم الخميس أهين عبد الباسط (١) وحُوِّل من محبسه بالقاعة التي في الإسطبل إلى البرج الذي كان قد حُبس فيه أولًا أتْباعُه، وكان هو فى رفاهية فعاد إلى ضيق وحَصر، وشُدّد عليه في التهديد وطَلَبِ المال، وكان يظن أنه إذا بادر بدفع المال يُفْرج. عنه، فذكر أنّه حمل جميع ما عنده النقد، ثم عرض جميع من أصناف المتاجر للبيع، فاشتريَتْ للسلطان أيضا ثم عرض ما عنده من الثياب الصوف والمخمل والحرير المذهب والمطرز، فاشتُري أيضا للسلطان، ثم عرض جميع ما عنده من الأثاث فبيع بالأثمان الغالية تارة والرخيصة أخرى، وحصل لجماعةٍ فى أثناء ذلك منافع كثيرة، ومع ذلك فلم يجتمع من جميع ذلك إلّا نحو مائتي ألف دينار، وأصرَّ السلطان على طلب خمسمائة ألف دينار بعد أن كان طَلب منه ألف ألف دينار، فلم يزل يحطها إلى أن صارت على النصف (٢)، ولكن المطلوب منه خط على أنه لا يقدر إلا على ما ذُكر، لكن بقي له العقار، فكأنه شرع في الحيلة في حَلِّ الأوقاف ليباع ما يمكن بيعه من العقار، والحكم لله.

ثم آل الأمر إلى أن غضب السلطان منه فأمر بسجنه في البرج المظلم، فأقام فيه مدَّةً، ثم أفْرِج عنه. وسُلّمِ لنائب القلعة، فأسكنه عنده في طبقة عليا نَيِّره، وتَقّرر مالُ المصادرة على مائتي ألف وخمسين ألف دينار، فاستوعَب ما يقدر عليه من النقد والبضائع والديون والغلال، وباع ما لم يوقِفْه من العقار، وأجَّر كثيرًا مما أوقفه وباع بعضه أنقاضًا فلم يكمل المائتين، فأخذ في الاستدانة وسؤال المعارف ومَن سبقَتْ إليه يد منه عليه، فكان جهد ذلك أن أكمل المائتين في العاشر من ربيع الأوّل، ثم كان ما سنذكره.

* * *

وفي يوم الاثنين خامس عشره رسم السلطان أن يُرْسَل الملك العزيز يوسف بن الأشرف إلى الإسكندرية على طريق البرّ، وصحبته أسَنبُغَا (٣) الطياري، أحد الأمراء المقدّمين،


(١) أمام هذا الخبر في هامش هـ "كائنة عبد الباسط".
(٢) راجع ما سبق ص ١٣٣.
(٣) هو أسنبغا الناصري محمد بن رجب ثم الطياري سودون كما نص على ذلك السخاوي في الضوء اللامع ٢/ ٩٨٤، وكانت وفاته سنة ٨٥٧، وقد وصفه السخاوي بالنبل والكرم والتواضع والأدب والشجاعة.