وفى أَواخر المحرّم عُقد مجلسُ القضاة والخليفة والأُمراء فيما بلغهم من أَمر العدوّ وهل يجوز أَن يأخذوا من التجار نصفَ أَموالهم أَو ثلثها للإِعانة على تجهيز الجيوش لملتقاه، فتكلم القاضي الحنفي جمال الدين المالطي وقال:"إن فعلتم بأَيديكم فالشَّوْكة لكم، وإِن أَردتم ذلك بفتْوَانا فهذا لا يجوز لأَحدٍ أَن يفتى به، والعسكرُ يحتاج لمن يدعو له، فلا ينبغي أَن يعمل [السلطان] شيئًا يستجلب الدعاءَ عليه".
ثم اشتوروا في ارْتجاع الأَوقاف وإقطاعها لمن يُستخدم، فغاضبهم المالطي أيضًا وقال:"القدر الذي يُتَحَصّل منها قليل جدًّا، والأَجنادُ البطالة لايُستنفَر بهم لأَنهم مع مَن غَلب، ووظيفتهم النهب"، فانفصل المجلس على ذلك، فكانت هذه من حسنات المالطي.
ودعى هذا المجلس يلبغا السالمي فلم يرجع عنه حتى عمل ما منعهم منه الملطي بعد ذلك، وجرى له عقب ذلك ما لا خير فيه.
* * *
ثم تواردت الأَخبار بأَن تمرلنك غَالَبَ البلاد الشمالية، فاضطرب أَهلُ حلب ونقلوا أَموالهم إِلى القلعة، ومنهم من فرّ إِلى البلاد القريبة، وغلت أَسعار الجمال والحمير، وتجهز نائب حلب بعسكرها ومَن انضاف إليهم من العرب والتركمان، ولما بلغت هذه الأَخبارُ أَهلَ الدولة بمصر أَرسلوا إِلى النُّوّاب بالبلاد بجمْع العساكر والتوجّه إِلى حلب، فاجتمعوا كلهم بحلب، وهم: نائب صفد ونائبُ حماة ونائبُ دمشق ونائبُ طرابلس ونائب غزة، ومعهم من العساكر تقدير ثلاثةِ آلاف فارس، ثم شرع السلطانُ في التجهيز، فأَرسل تمرلنك إِلى دمرداش نائبِ حلب يَعِدُه بأَن يبقيه على نيابته بشرط أَن يمسك سودون نائب الشام، فأَطلع دمرداشُ على ذلك سودون، فوَثب على الرسول فضرب عنقه.
فلما بلغ ذلك تمرلنك نازل حلب وذلك في العُشر الأَول من ربيع الأَول، واشْتَوَر الأُمراء، فأَشار بعضهم بالبروز إِلى ظاهر البلد والقتال هناك، وأَشار بعضهم بالإِقامة والقتال على الأَسوار إِلى أَن يحضر العسكر المِصري، وأَشار دمرداش لأَهل البلد بإِخلائه والتوجّه حيث شاءوا. فغلب أَهلُ الرأْى الأَول وضربوا الخيام ظاهرَ البلد.