وفي ذي القعدة نُقب برج الخيالة بقلعة دمشق وهَرب منه قطَّاعُ الطريق وكانوا أُمِسكوا بعد أَن قطعوا الطريق على ابن المغربل التاجر وباعوا بدمشق بعض الأَمتعة ورجعوا إلى نابلس، فقُطن بهم، فقُبض عليهم إلَّا واحدَا منهم ضخمًا لم يستطع الخروج فقُتل، وأُرْسِيل في آثارهم فأُخِذوا من عكا فوُسِّطوا إلَّا واحدًا منهم هرب، ووَسِّط معهم السجّان.
وفى ذى الحجة بلغ نائبَ دمشق - شيخ المحمودي - أَن سودون الحمزاوى تعيّن لنيابة الشام، فشقّ ذلك عليه وتوجّه إلى نوروز وهو في سجن الصبيبة ليتفق معه فلم يقع ذلك، وانسلخت السنة والأَمر على ذلك.
وفى أَواخرها وقع بين دمرداش والتركمان وقعة عظيمة فانكسر دمرداش. وكان النيل في هذه السنة احترق حتّى إنهم اعتبروا المقياس في آخر يوم على العادة فجاء القاع ذراعًا واحدًا ونصفًا بنقص إصبعين، ولم يُسمع بمثل ذلك قبلها، فزاد - إلى أَن انسلخت السنةُ - أَربعةً أذرع وثلْثىْ ذراع (١)، ونقص سعر القمح من ثلاثمائة إلى مائتين وخمسين.
* * *
وفيها مات محمد سلطان بن خان تنكزْ بن اللنك وكان قد ولى عهده، وكان يحب العدل ويلوم جدّه على القتل ويحب العلماء والفضلاءَ، فاتفق أَن اللنك لما عَزَم على الدخول لبلاد الروم أَرسل إليه أَن يتجهز هو وجنوده فحضر إليه فمات بعد الوصول والظفر بابن عثمان، فبُدّل فرح اللنك ترحًا، وحَزن عليه حزنًا عظيمًا بحيث أَنه جعله في تابوتٍ وحمله إلى سمرقند فدفنه بمدرسته التي أَنشأَها هناك، واتفقت وفاة محمد سلطان ووفاة محمد بن عثمان في وقت واحد، ويقال إن ابنَ عثمان قال للنك: "إلى أعرف أَنّي لا أبقى معك، ولكنى أُوصيك بثلاث: لا تسفك دماءً الروم فإنهم درةً للإسلام، ولا تترك التتار بهذه البلاد فإنهم من أَهل الفساد، ولا تخرب قلاعَ المسلمين وحصونهم
(١) الوارد في التوفيقات الإلهامية، ص ٤٠٣، أَن النيل توقف من الزيادة إلى ثالث أيام النسيء ثم نقص ولم يف، وبلغت لغاية فيضان النيل بمقياس الروضة في هذه السنة ١٣ قيراطًا و ١٦ ذراعًا، وهو ما يتفق مع ما ورد في أمين سامى: تقويم النيل ١/ ٢٠٠.